وقال ابن عباس: جعل الله توبتهم القتل لأنهم ارتدُّوا عن الإسلام، والكفر يبيح الدم، فجلسوا بأفنية البيوت وأصلتوا الخناجر، فكان الرجل يرى ابنه أو أخاه أو قريبه أو جاره أو صديقه فيستحي منه فقالوا: يا موسى، لا نقدر أن نقتل آباءنا وأبناءنا بل وأهلنا وأصدقاءنا، فأرسل الله عليهم ظُلْمةً فكان لا يبصر بعضهم بعضًا، فانكشفت الظلمة عن سبعين ألف قتيل، فبكى موسى وهارون عليهم، فأوحى الله إليهما: قد جعلتُ القتلَ للمقتول شهادةً، وللقاتل توبة وتكفيرًا عن ذنوبه. قالوا: فما آية توبتنا؟ قال: على أن يقوم السلاح فلا يعمل، وترتفع الظلمة.
وقال مجاهد: قتلوا حتى خاضوا في الدماء، وصاح النساء والصبيان والشيوخ يا موسى: العفوَ العفوَ، فبكى موسى وتضرَّع، فأنزل الله التوبة، فقتلاهم شهداء وأحياؤهم مغفور لهم (١).
[فصل في ذهاب السبعين إلى الطور يعتذرون من عبادة العجل]
قال الله تعالى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف: ١٥٥] ومعناه: من قومه. فلما نزع حرف الصفة نَصَب.
واختلفوا في سبب اختيار موسى السبعين:
فقال السُّدي: أمر الله موسى أن يأتيه في أناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل فاختار موسى السبعين، فلما صعدوا الجبل قالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: ٥٥] فإنك قد كلَّمته فأَرِناهُ، فأخذتهم الصاعقة فماتوا.
وقال ابن إسحاق: إنما اختارهم ليتوبوا إليه مما صنعوا.
وقال الكلبي: أمر موسى السبعين أن يتطهَّروا ويطهِّروا ثيابهم ويصوموا، ثم خرج بهم إلى طور سيناء لميقات ربِّه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه، فلما دنوا من ذلك المكان قالوا: يا موسى، اطلب لنا أن نسمع كلامَ ربنا، فقال: أفعل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشَّى الجبل كله، ودخل موسى حتى غاب فيه،