إلا من ذكر موسى شفقةً عليه. وقال ابن عباس: جاءها إبليس فقال: كرهت أن يقتله فرعون فيكونَ لك أجره وثوابه، وتوليتِ أنت قتله فألقيته في اليم؟! فخافت. وقولها لأخته: ﴿قُصِّيهِ﴾ من القصص، وهو العلم بالخبر ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ﴾ [القصص: ١١] أي: بُعد، فجعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده. ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل مجيء أمِّه. وقال السُّدي: لما قالت أخته: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] أخذوها وقالوا: قد عرفت هذا الغلام فدلِّينا على أهله، فقالت: ما عنيت بالنصح إلا للملك، فسكتوا عنها. قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ قال الكلبي: الأشدُّ إلى ثلاث وثلاثين سنة ﴿وَاسْتَوَى﴾ [القصص: ١٤] أربعين سنة، وقد ذكرناه.
[ذكر قتله للقبطي]
قال علماء السير: ولما ترعرع ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ﴾ وهي مدينة فرعون، ويقال لها: مَنْف ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ وكانت وقت القائلة. وقال السُّدي: ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ وهم القبط، وقيل: الذي من شيعته هو السامري، والذي من عدوِّه طباخ فرعون واسمه فلينون. وكان القبطي قد أخذ الإسرائيلي ليحمل الحطب إلى مطبخ فرعون، فقال له موسى: دعه، فقال: إنما أخذتُهُ ليحملَ الحطب إلى مطبخ أبيك، وكان موسى يسمى ابنَ فرعون، لا يركب ولا ينزل إلا معه، فقال: دَعْهُ، فقال الطباخ: لقد هممتُ أن أحمله على ظهرك ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ أي: مات، ولم يتعمد موسى قتله. والوكز بأطراف الأصابع ﴿فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ أي: فرغ من أمره، فندم موسى على قتله، فدفنه في الرمل وقال: لم أومر بذلك، فإنه ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٥] ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ أي: ينتظر الأخبار من ناحية القبطي، أن يؤخذ به فيقتل ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ وقد لزمه قبطي آخر يريدُ أن يُسَخِّره، فاستغاث به الإسرائيلي على الفرعوني، فصادف موسى وقد ندم على قتل القبطي بالأمس، فقال للإسرائيلي: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] ومعناه: ما كفاني أن قتلتُ بالأمس نفسًا بسببك حتى أقتلَ آخر، ثم مدَّ يده إلى الفرعوني وظنَّ الإسرائيلي أنه يريده، فقال: ﴿يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي