للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنة الرابعة من النبوّة

وفيها نزل قول الله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقرَبِينَ (٢١٤)[الشعراء: ٢١٤].

قال علماء السير: وأقام رسول الله بعد النبوة ثلاث سنين مستخفيًا يدعو إلى الله سرًّا في الجبال والأودية والشِّعاب (١)، ولما دعا إلى الله تعالى، استجاب له مَنْ شاء الله من الأحداث وَضَعفَةِ الناس والنِّساءِ، وكَثُرَ من آمن به، وكفَّار قريش غير مكترثين بأمره ولا بما يقول. وكان إذا مر على مجالسهم، أشاروا عليه وقالوا: إن غلام عبد المطلب لَيُكَلَّمُ من السماء. فكان على ذلك حتَّى عاب آلهتهم، وسفَّه آباءهم الذين ماتوا على الكفر. فشنَّفوا (٢) له عند ذلك، وعادوه، وحسدوه (٣).

وقام بنصرته عمُّه أبو طالب أحسن قيام، ومنعهم من التعرض له.

وقال ابن عباس : لما نزل قوله تعالى ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)[الشعراء: ٢١٤]، خرج رسول الله حتَّى علا المَروَةَ، ثم قال: يا آل فهر، فجاءَتْه قريش وفيها أبو لهب فقال: هذه فهر عندك فقل. فقال: يا آل غالب. فرجع بنو محارب وبنو الحارث ابنا فهر. فقال: يا آل لؤي بن غالب. فرجع بنو الأدرم. فقال: يا آال كعب بن لؤي. فرجع بنو عامر بن لؤي. فقال: يا آل مرة بن كعب. فرجع بنو عدي بن كعب، وبنو سَهْمٍ، وبنو جُمَح، أبناء عمرو بن هُصَيص بن كعب، ثم قال: يا آل كلاب بن مرَّة. فرجع بنو مخزوم وبنو تميم بن مرة. فقال: يا آل قُصي. فرجع بنو زهرة بن كلاب. فقال: يا آل عبد مناف. فرجع بنو عبد الدار بن قصي، وبنو أسد بن عبد العُزَّى بن قصي، فناداه أبو لهب: هذه بنو عبد مناف عندك فقل. فقال: "إنَّ اللهَ قد أَمَرني أَنْ أُنْذِرَ عَشيرتي الأَقْرَبين، وأنتم الأَقرَبُون من قُريشٍ، وإنِّي لا أملك لَكُم مِنَ الله حَظًّا، ولا مِنَ الآخِرَة نصيبًا، وإلَّا أن تَقُولوا: لا إلَه إلَّا اللهُ، فأشْهَدُ لَكُم بها عندَ اللهِ، وتَدينُ لَكُم بها


(١) في (خ) و (ك): والشعوب، والمثبت أقرب للصواب.
(٢) في النسخ: "فسيفوا" والمثبت من "الطبقات الكبرى"، ومعنى شنفوا له: أبغضوه.
(٣) انظر "الطبقات الكبرى" ١/ ١٦٩.