للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فولدت له ولدًا فسمَّاه فردوين، ووُلد قبل أن يُولد كيخسرو، وأم فردوين من بعض نساء الأتراك.

وأوصى كي خسرو طوسًا ورستمًا أن لا يقتلا أخاه لأبيه فردوين، فلما التقى العسكران خرج فردوين يقاتل، فقتله طوس -وقيل: قُتِل في جملة الناس- وبلغ كي خسرو فحزِن على أخيه، وكتب إلى عمه برزافره أن يقيد طوسًا ويبعثَ به إليه، ففعل.

وعبر كي خسرو النهر، وقسم عسكره قسمين من ناحيتين، ودخل إلى التُّرك، فلم يكن لأفراسياب به طاقة، فانهزم، وأكثرت الفرسُ القتلَ في الترك. قال ابن مسكويه: فلم يكن قط مثل ذلك، كان القتلى خمس مئة ألف وستين ألفًا على ما تَزعُم الفرس، والأسرى ثلاثين ألفًا، والغنائم لا تُحصى (١).

وتَبع كي خسرو أفراسياب، فظفر به عند سيره، فأسره، ثم أحضر الملوك والموابِذةَ والعلماء وقال لهم: ما جزاءُ مَن استجار به خائف والتجأ إليه فعدا عليه فذبحه؟ فقالوا: يُفعَل به كما فَعل. فقال له: لم ذبحت أبي؟ فلم يكن لأفراسياب حجةٌ، فذبحه. وعاد إلى خراسان وقد صَفَت له الدنيا، فبنى مدينة بَلْخ وسمَّاها الحسناء (٢)، وأقام بها.

ولما استقامت له الدنيا تزهَّد وتنسَّك، وعَهِد إلى ولده لهراسب، فلما رأى ذلك أهلُ مملكته جزعوا لفقدِه، وتضرَّعوا إليه، فقال: قد أقمتُ لكم مَن ينظرُ في أموركم، وهو ولدي لهراسب. وقيل: إنه لم يكن ولدَه، وإنما كان صاحبَه خصيصًا به، وكان ملك كي خسرو ستين سنة، وخَفِي أمرُه.

[فصل]

ثم مَلَك بعده لهراسب، ويقال: إنه الذي كان بُختُ نَصَّر إصبَهْبَذَ عسكره، وفي أيامه فعل بخت نصر ببني إسرائيل ما فعل. قالوا: وفيه بُعْد، بينهما زمان طويل، ومَلك لهراسب عشرين ومئة سنة، ثم مات.


(١) تجارب الأمم ١/ ٢٤ - ٢٥، وانظر تاريخ الطبري ١/ ٥١٢.
(٢) في تاريخ الطبري ١/ ٥٣٨، ومروج الذهب ٥/ ١٢١، وتجارب الأمم ١/ ٢٦ أن الذي بنى بلخ وسماها الحسناء لهراسب الذي ملك بعد كيخسرو.