للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّنة الحاديةُ بعد المئتين (١)

فيها سأل أهلُ بغدادَ منصورَ بن المهدي أن يليَ الخلافةَ عليهم، فأبى، فقالوا: تكون أميرًا علينا وتدعو بالخلافة للمأمون، فقال: نعم، فولَّوه عليهم.

وسببُ ذلك سوءُ سيرة الحسنِ بن سَهْل، ومعاملته الناسَ بالكبر والجَبروت وقطعِ الأرزاق، وكان الحسنُ مقيمًا بَالمَدائن لا يتجاسر أن يدخلَ بغداد، وأخرجوا نائبَه عليَّ بن هشامٍ من بغداد، وهرب الحسنُ إلى واسط، وكان قد ضرب عبدَ الله بن عليِّ بن عيسى بنِ ماهان حدًّا، فغضب الأبناءُ وقالوا: لا نرضى أن يكونَ المجوسيُّ علينا، يعنون الحسن، وكان الفضلُ بن الربيع مُسْتَخفيًا ببغداد.

وفيها استطال الفُسَّاق والدُّعَّار من أهل بغدادَ، ونهبوا المال والحَريم، ولم يمكن منصورَ بن المهدي الإنكارُ عليهم؛ لأنه كان يعتزُّ بهم، فتجرَّد له خالدٌ الدريوش من المطَّوِّعة وسهلُ بن سلامة، وقام معهما أهلُ الصلاح، وأمروا بالمعروف، وطلبوا من السلطان العملَ بكتاب الله وسُنَّة رسوله، وبايعهم الناس، فسكنت الفتن.

وفيها جعل المأمونُ عليَّ بن موسى الرِّضا وليَّ عهده بعد وفاته بإشارة الفضلِ بن سهل، وطَرح السَّوادَ ولبس الخُضْرة، وأمر جندَه بذلك، وكتب إلى الآفاق، وذلك يومَ الاثنين لليلتين خلتا من رمضان.

ولمَّا وصل عليُّ بن موسى من المدينة إلى بغدادَ تلقَّاه أهلها، فأقام أيامًا، ثم توجَّه إلى مَرْو، فلمَّا وصل نَيسابور، خرج إليه يحيى بنُ يحيى وإسحاق بن راهُويه ومحمد بن رافعٍ وغيرُهم لطلب الحديثِ منه، والروايةِ عنه والتبرُّك به، فأقام عندهم أيامًا يحدِّثهم، ثم سار إلى المأمون، فتلقَّاه بنفسه وأَعظمه واحترمه، وعهد إليه، وضرب اسمَه على الدنانير والدراهم، وزوَّجه ابنته أمَّ حبيب، وزوَّج ولدَه محمد بن عليٍّ ابنتَه أمَّ الفضل، وعُمرُ محمدٍ يومئذ سبعُ سنين، وتزوَّج المأمونُ بوران بنتَ الحسن بنِ


(١) ليس في (ب) من أحداث هذه السنة غير حج إسحاق بن موسى.