للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سهل (١)، الجميعُ في وقت واحد، وكان الوليَّ في تزويج بُورانَ عمُّها الفضل بنُ سهل، ولم يدخل بها المأمونُ إلى سنة عشرٍ ومئتين، وقال ليحى بن أكثم: تكلَّم، قال يحيى: فأجللته أن أقول: أنكحتُ ابنتَك، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، أنت الحاكمُ الأكبر، فأنت أولى بالكلام، فقال: الحمدُ لله الذي تصاغرت الأمورُ لمشيئته، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، إقرارًا بربوبيَّته، وصلى اللهُ على سيدنا محمدٍ وآله وعِترته، صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم حشرِه وجزائه، أما بعد: فإنَّ الله سبحانه جعل النكاحَ سببًا للمناسبة بين عباده، فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾ [الفرقان: ٥٤]. وقال : "تناكحوا تناسلوا، تكثُروا، أباهي (٢) بكم الأممَ يومَ القيامة" وإنِّي قد زوَّجت ابنتي أمَّ حبيبٍ من عليِّ بن موسى، وأمَّ الفضل من ولد محمد، وأصدقت كلَّ واحدة منهما أربعَ مئة درهم، استنانًا بالسنَّة الطاهرة، وهو حسبي ونعمَ الوكيل.

ولمَّا عهد إلى علي بن موسى كتب كتابَ العهد بخطِّه وإنشائه، وهو طويل، فمنه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا كتابٌ كتبه عبد الله بنُ هارونَ أميرُ المؤمنين لأبي الحسن عليِّ بن موسى بنِ جعفر بن محمد بن علي زينِ العابدين، الرِّضا، من آل محمد ، وليِّ عهده من بعده، أما بعد: فإنَّ الله سبحانه اصطفى الإسلامَ دينًا، واختار له من عباده رسلًا دالِّين عليه وهادين إليه، يبشِّر أولُهم بآخرهم، ويصدِّق تاليهم ماضيَهم، حتى انتهت الدعوةُ إلى سيِّد المرسلين وخاتَم النبيين محمدٍ ، وذلك على فترةٍ من الرسل، ودروسٍ من العلم، واقترابٍ من الساعة، وانقطاعٍ من الوحي والحجَّة، فختم الله به النبيِّين، وجعله شاهدًا لهم على الأمم، وأنزل عليه كتابًا عزيزًا لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد، وإني لم أزل منذ أَفْضَتْ إليَّ الخلافةُ


(١) في المصادر أن ذلك كان في سنة اثنتين ومئتين، انظر تاريخ الطبري ٨/ ٦٠٦، وابن الأثير ٦/ ٣٥٠، والمنتظم ١٠/ ١٠٩.
(٢) في (خ): تباهي، والمثبت من المصادر، والحديث أخرجه عبد الرزاق (١٠٣٩١) عن سعيد بن أبي هلال مرسلًا، وفيه انقطاع أيضًا. وذكر العراقي في تخريج الإحياء ٢/ ٢٢ أن ابن مردويه أخرجه في تفسيره من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف. ويغني عنه حديث: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم" أخرجه أبو داود (٢٠٥٠)، والنسائي ٦/ ٦٥ - ٦٦.