أنظر مَن أقلِّده أمرَها، وأجتهد فيمن أولِّيه عهدها، فلم أجد في العالم مَن يصلح لها وينهض بأعبائها إلَّا أبا الحسن عليَّ بن موسى الرِّضا، لِمَا رأيت من فضله البارع، وعلمِه النافع، وورعه الباطنِ والظاهر، وتخلِّيه عن الدنيا وأهلها، وميلِه إلى الآخرة وإيثاره لها، وقد تحقَّق عندي وتيقَّنت ما الأخبارُ عليه متواطئة، والأَلسنُ عليه متَّفقة من فضائله، فعقدتُ له على العقد بعدي، واثقًا بِخيرَة اللهِ تعالى في ذلك، نظرًا للمسلمين، وإيثارًا لإقامة شعائرِ الدِّين، وطلبًا للنجاة يومَ يقوم الناسُ لربِّ العالمين. وكتب عبدُ الله بخطِّه في شهر رمضانَ سنة إحدى ومئتين، وقد بايعه أهلُ بيتي وولدي وخاصَّتي وعبيدي وغيرُهم، والسلام.
وكتب عليُّ بن موسى الرِّضا خلف الكتاب: أما بعد: فإنَّ أمير المؤمنين مَن عضده اللهُ بالسَّداد، ووفَّقه للعصمة والرَّشاد، عرف من حقِّنا ما جهله غيرُه، فوصل أرحامًا قُطعت، وأمَّن نفوسًا ارتاعت، بل أحياها بعدما ماتت، متَّبعًا بذلك رضي ربِّ العالمين، وسيجزي اللهُ الشاكرين، ولا يضيع أجرَ المحسنين، وإنه أيَّده الله جعل إليَّ عهدَه، والأمرَ بعده، وقد أوجب الله عليَّ طاعتَه، وجنَّبني مخالفتَه، ولله عليَّ ألا أسفِكَ دمًا حرامًا، ولا أُبيحَ فرجًا ولا مالًا، وأن أتخيَّر الكفاءةَ جهدي وطاقتي، ولا أنال من الدنيا إلَّا ما تدعو إليه الضرورة، وقد جعلتُ اللهَ كفيلًا، فإن أحدثتُ أو غيَّرت أو بدَّلت كنت للعَزْل مُسْتَحقًّا، وللنَّكال مُعَرَّضًا، وأعوذ بالله من سَخَطه، والعاقبةُ للمتقين.
وشهَّد في الكتاب الفضلَ بن سَهل وعبدَ الله بن طاهر وبشرَ بن المُعْتَمر وحمَّاد بن أبي حَنيفةَ ويحيى بن أكْثَمَ والصُّوليَّ وغيرهم، وجلس المأمون مجلسًا عامًّا، وأجلس عليَّ بن موسى عن يمينه، فقام العبَّاسي الخطيبُ فخطب وأنشد:[من البسيط]
لا بدَّ للناس من شمسٍ ومن قمر … فأنت شمسٌ وهذا ذلك القمرُ
وأجرى المأمونُ على عليِّ بن موسى في كلِّ سنةٍ ألفَ درهم، وبعث المأمونُ بكتابه إلى المدينة ومكَّة، فقُرئ في الكعبة الشريفة، وبين القبرِ الشريف والمنبرِ الشريف على صاحبهما أفضلُ الصلاة والسلام، وقُرئ في جميع الآفاق.
قال عمر بن شبَّة: وكان عيسى بنُ محمد بنِ أبي خالد ببغدادَ نائبًا عن الحسن بنِ سهل، والحسن بواسط، فكتب إلى عيسى يخبره أنَّ المأمون قد عهد إلى عليِّ بن