للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيَّةَ الوادي؛ لأنَّه ما كان ينام الليلَ ولا يقبل بِرَّ أحد، وكان يُفطر على خُبز الشعير.

وقال: فتَّشنا على الورع فلم نجدْه في شيءٍ أعزَّ منه في اللسان.

وقام ليلة بـ ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١)[النبأ: ١] يردِّدها ويبكي ويغشى عليه، ثم يُفيق فيردِّدها إلى الصباح. وكان يصلِّي الليل كلَّه ثم يجلس في مصلاه، ويجلس أخوه عليٌّ يبكي في حجرته، وتجلس أمُّهما تبكي في غرفتها.

وقال خَلَف بنُ تميم: لما مات عليٌّ وماتت الأمُّ ومات حسن، رأيتُه في المنام، فقلت: ما فعلت الوالدة؟ فقال: بُدِّلت واللهِ بذاك البكاءِ سرورَ الأبد. قلت: وعليٌّ وأنت؟ فقال: وهل نتَّكل إلَّا على عفوه.

وكان حسنٌ إذا صعد المنارةَ ليؤذِّنَ أَشرف على المقابر، فإذا نظر إلى الشَّمس تحوم على القبور صرخ وغُشي عليه، فيُحمل إلى منزله. وكان إذا خرج في جنازةٍ فنظر إلى اللَّحد فيغشى عليه، فيُحمل على النَّعش إلى بيته.

وكان لَمَّا مات ابنَ ستِّين سنة، واتفقوا على أنَّه كان ثقةً صحيحَ السَّماع كثيرَ الحديث.

أَسند عن أبي إسحاقَ السبيعي وأعيانِ التابعين، وشغله الخوفُ عن الرواية.

صالحُ بن عبد القُدُّوس

أبو الفضلِ البَصْرِيّ، مولى الأَزد. كان شاعرًا فصيحًا فاضلًا متكلِّمًا، وله الشعرُ الرائقُ في الزُّهد وغيرِه، وقد اتَّهمه المهديُّ بالزَّندقة فأَمر بحمله إليه، فلمَّا خاطبه أَعجبه غزارةُ علمِه وأدبُه وحُسنُ بيانه، فأَمر بإطلاقه، فلما ولَّى ردَّه وقال له: ألستَ القائل: [من السريع]

والشيخُ لا يترك أخلاقَه … حتَّى يوارَى في ثرى رَمْسِهِ

إذا ارعوى عادَ إلى جهله … كذي الضَّنَى عاد إلى نُكسهِ

قال: بلى، قال: وأنت لا تترك أخلاقَك (١)، ونحن نحكم فيك بحكمك. ثم أَمر به فقُتل وصُلب على الجسر.


(١) في (خ): أخلاقه. والمثبت من المصادر، انظر طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٩٠، وتاريخ بغداد ١٠/ ٤١٣، ووفيات الأعيان ٢/ ٤٩٣، وتاريخ الإِسلام ٤/ ٤١١.