للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاءت في شعبان زلزلة عظيمة، فشققت قلعة حمص، ورمت القنطرة التي على القلعة، وأخربت حصن الأكراد، وتعدَّت إلى جزيرة قبرس، وامتدَّت إلى نابُلُس، فأخربت ما بقي.

وفيها شرع الشيخ أبو عمر شيخ المقادسة في بناء المسجد الجامع بالجبل، وكان بقاسيون رجل فامي يقال له: أبو داود محاسن، [-وأدركته في سنة ست مئة-] (١) فوضع أساسه وبلغ قامة، وأنفق عليه ما كان يملكه، وبلغ مُظَفَّر الدِّين بن زين الدِّين، فبعث إلى الشيخ أبي عمر مالًا، فتممه، ووقف عليه وَقْفًا، وبعد ذلك أراد ابنُ زين الدين أن يسوق الماء إليه من بَرْزَة، وبعث ألفَ دينار، فقال المعظم عيسى : طريق الماء كلها قبور، كيف يجوز أن تنبش عظام المُسْلمين؟ اشتروا بغلًا، واعملوا مدارًا، وبالباقي مكانًا قفوه عليه، ولا تؤذوا أحدًا. ففعلوا.

وحج بالنَّاس من العراق وجه السبع. ومن الشَّام خشترين الهكاري.

وفيها توفيت

بنفشا بنت عبد الله (٢)

جارية المستضيء، وكانت كريمةً صالحةً، كثيرةَ الصَّدقات والصِّلات، وعمرت الرُّبُط والمساجد، والجسر ببغداد، وتصدَّقت بأموالٍ كثيرة على العلماء والفقراء والمساكين، و [هي التي] (١) اشترت دار الوزير ابن جَهِير بباب الأَزَج، ووقفتها على الحنابلة، وفوَّضت نظرها إلى الشيخ جمال الدين بن الجوزي، وهي التي أشارت على المستضيء بولاية الإمام الناصر، وكان في عَزْمه أن يولي ولده الأمير أبا منصور، فرأى النَّاصر لها ذلك، فلما ولي الخلافة أنزلها في الدار التي كانت بها والدته، وأحسن إليها، ولما توفيت تولَّت أمرها والدة الخليفة، وجهَّزتها أحسن جهاز، ودفنتها في تربتها المجاورة لمعروف الكرخي، وذلك في ربيع الأَوَّل.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) لها ترجمة في "الكامل": ١٢/ ١٧٨، و"التكملة": للمنذري ١/ ٤٢٢، و"المذيل على الروضتين": ١/ ١١٧ - ١١٨، و"الوافي بالوفيات": ١٠/ ٢٩٣، وفي "المذيل" تتمة مصادر ترجمتها.