للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالت: يا عبد اللَّه، أنا امرأة غريبة، وليس عندنا شيء، فبكى عمر، وعاد يُهرول إلى بيته، فقال لامرأته أمِّ كلثوم بنت علي: هل لك في أجرٍ ساقه اللَّه إليك، وأخبرها الخبر، فقالت: نعم، فحمل على ظهره الدَّقيق والشَّحْم، وحملت أمُّ كلثوم ما يَصلُح للولادة، وجاء فدخلت أمُّ كلثوم على المرأة، وجلس عمر يتحدث مع زوجها، وهو إلى جانبه ولا يعرفه، ووضعتْ المرأةُ غُلامًا، فنادت أم كلثوم: يا أمير المؤمنين، بَشِّر صاحبَك بغُلام، فلما سمع الرجل قولَها استأخر عنه، فقال: على رِسلك، فوصلهما وانصرف (١).

حديث امرأةٍ أخرى:

قال عبد اللَّه بن أحمد بإسناده، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: خرجنا مع عمرَ إلى حَرَّةِ واقمٍ، حتى إذا كنّا بِصِرار إذا بنارٍ، فقال لي: يا أسلم، إني أرى هاهُنا ركبًا قد قَصَّر بهم الليلُ والبردُ، انطلق بنا، فأخذنا نُهَرْوِلُ حتى أتيناهم، فإذا امرأةٌ معها صِبْيان صغار، وإذا بقِدْرٍ منصوبةٍ على النارِ، وصبيانُها يَتَضاغَوْن، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحابَ الضَّوء، وكره أن يقول: يا أصحاب النار، فردَّتِ السلامَ فقال: ما بالُكم؟ قالت: هؤلاء الصبيان يَتَضاغَوْن جوعًا، قال: فأيُّ شيءٍ في هذه القِدرِ؟ قالت: ما أُعلِّلُهم بهِ حتى يناموا، واللَّه بيننا وبين عمر، فقال: رحمكِ اللَّه، وما يُدري عمرَ بكم؟ قالت: يتولّى أمرَنا ويَغفُلُ عنا؟!

قال: فبكى بكاءً شديدًا وقال: اتبعني، وهرول حتى أتى دار الدقيقِ، فأخرج عِدْلًا من دقيقٍ وكُبَّةَ شَحْم، وقال: يا أسلم، احمِلْه على ظَهْري، فقلتُ: أنا أحمِلُه عنك، فقال: لا أُمَّ لك، أنت تحملُ وِزْري يومَ القيامة؟ فحملتُه على ظهرِهِ، وانطلقنا إلى المرأةِ، فألقاه عن عاتِقِه، فأخرج من الدقيقِ فَذَرَّه في القِدْرِ، وألقى عليه من الشَّحْمِ، وجعل يَنفُخ تحت القِدْرِ ساعةً، ثم أنزلها وقال: ابغني صَحْفة، فغرف فيها، ثم تركها بين يَدَي الصبيانِ وقال: كُلوا، فأكلوا حتى شبعوا، والمرأةُ تدعو له وتقول: جزاك اللَّهُ خيرًا، كنتَ أولى بهذا من عمر، فقال: قُولي خيرًا، ثم تنحّى عنها فربضَ مَرْبضًا،


(١) ذكره ابن الجوزي في سيرة عمر ٧٧، وابن كثير في تاريخه ١٠/ ١٨٦ هجر، والخبر ليس في (ك).