فامتنع من الولاية وقال: وَلِّ رجلًا من أهل بيتك تطمئنُّ إليه الناس، وسأشير عليه وأكفيك، فولّى عبد الله بن عباس إمارةَ البصرة، وولّى زيادًا الخراجَ وبيتَ المال، وأمر ابنَ عباس أن يسمعَ له ويُطيعَ، ففعل.
وكان ابن عباس يقول: استشرتُ زيادًا في هَنَةٍ كانت من الناس، فقال: إن كنتَ تعلم أنك على الحق، وأن غيرك على الباطل ممن خالفك؛ أشرتُ عليك بما ينبغي، قال: فقلتُ: إني على الحق، وهم على الباطل، قال: اضرِبْ بمن أطاعك مَن عصاك، ومَن ترك أمرك فاقتُله، فعلمت أنه قد اجتهد رأيَه، قال: فلما وُلِّي رأيتُ ما صنع، وعلمت أنه قد أجهد لي رأيَه.
قال الواقدي: لما قدم أمير المؤمنين الكوفة لم يَنزل قصر الإمارة الذي كان يَنزله الأُمراءُ قبلَه، وإنما نزل برَحْبَة الكوفة في أخصاص كانت بها، وكان معاوية قد أظهر الخلاف لما قال أمير المؤمنين: والله لا أُقرُّه على عمله، فقال معاوية: والله لا أَلي له ولاية، ولا أُبايعه، ولا أقدم عليه.
وكان جرير بن عبد الله البَجَلي عاملًا لعثمان على همذان، فاستقدمه أمير المؤمنين بعد أن أخذ له البيعةَ على أهل همذان، فلما قدم عليه قال: يا جرير إني أريد أن أبعثك إلى معاوية؛ تأخُذَ لي عليه البيعة.
[ذكر إرسال جرير إلى معاوية وكتاب علي ﵇ إليه]
قال أبو جعفر الطبري عن عَوانة قال: لما قال علي ﵇ لجرير إني أريد أن أبعثَك إلى معاوية، قال له جرير: ابعثني إليه فإنه لي وَادٌّ، فأدعوه إلى طاعتك، فشاور علي أصحابَه، فقال له الأشتر: لا تبعثه، فوالله إني لأظنّ أن هواه معه، فقال علي ﵇: دعه حتى نَنظر ما الذي يَرجع به إلينا، فبعثه إليه، وكتب معه كتابًا يُعلمه فيه اجتماعَ المهاجرين والأنصار على بيعته، ونكث طلحة والزبير، وما كان من حَربه إياهما، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار. هذا قول الطبري (١).
وقال هشام بن محمد الكلبي، عن أبيه: كتب أمير المؤمنين إلى معاوية: أما بعد: