فإني قد لزمَتْك بيعتي وطاعتي في المدينة وأنت بالشام، لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، فلم يكن للشاهد أن يَختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنما الشّورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل ونَصبوه إمامًا كان ذلك رضًى لله، فإن خرج عن أمرهم خارج رَدُّوه إلى ما خرج منه، فإن أبي قاتلوه على اتّباعه غيرَ سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولّى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا.
ثم إن طلحة والزبير بايعاني، ثم نَقضا بيعتي، وكان نقضُهما كردّهما، فجاهدتُهما بعد ما أعذرتُ إليهما، حتى جاء الحقُّ وظَهر أمرُ الله وهم كارهون، ومَن نكث فإنما يَنكثُ على نفسه، فادخُل فيما دخل فيه المسلمون، ولا تتعرَّض للبلاء، فإن عصيتَ قاتلتُك واستعنتُ بالله عليك، وقد بلغني إكثارُك في قَتَلَة عثمان، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكمهم إليّ أحملْكم على كتاب الله.
وأما التي تُريدها فهي خُدعة الصبي عن اللبن، ولَعمري لئن نظرتَ بعين عَقلك دون عين هواك لَتجدَنّي أبرأَ الناس من دم عثمان، وقد علمتَ أنك من الطُّلقَاء الذين لا تحلُّ لهم الخلافة، ولا تجوزُ لهم الشورى، وقد بعثتُ إليك جرير بن عبد الله، وهو من أهل الإيمان والهجرة والصحبة، فبايع ولا قوَّةَ إلا بالله والسلام (١).
وقد ذكر القصة محمد بن إسحاق والواقدي وقال: قال له جرير: هذا كتاب أمير المؤمنين يدعوكم إلى الدخول في طاعته، فقد اجتمع له الحَرمان، والمِصران، والعراقان، والحجاز، واليمن، ونَجران، واليمامة، وعُمان، ومصر، وفارس، وخُراسان، ولم يبقَ إلا بلادكم هذه، فإن سال عليها وادٍ من أوديته غَرّقها.
رجع الحديث إلى هشام قال: فلما قدم عليه جرير ماطَلَه، ودعا عمرو بن العاص، فاستشاره فيما كتب به إليه، فأشار عليه أن يُلزمَ أميرَ المؤمنين دمَ عثمان، ويقاتله بأهل الشام، وكان قميص عثمان معلَّقًا على منبر دمشق ومعه أصابع نائلة، والناس يَنتابونه من كلِّ ناحية، ومعاوية يُؤلِّبُ على أمير المؤمنين، ويستعدُّ لقتاله، وَيبذل الأموال، ويتقوَّى بالسلاح.