ذِكْر مسير أبي مسلم لقتال عبد الله بن عليٍّ وهزيمة عبد الله إلى البصرة
ولمّا بدا من عبد الله ما بدا جمع أبو جعفر أهلَه وقوَّاده واستشارهم، فقال له أبو مسلم: إن شئتَ أقمتُ ببابك أخدمُكَ، وإن شئتَ ذهبتُ إلى خراسان، وجهَّزت إليك الجنود، وإن شئتَ سرتُ إلى عبد الله. فقال أبو جعفر: بل تسير إلى عبد الله، فإنما هو أنا أو أنت، فسار أبو مسلم يقصد عبد الله وهو بحرَّان قد جمع إليه العساكر والسلاحَ وما يحتاج إليه، وخندق عليه، ولم يتخلّف من القوَّاد عن أبي مسلم أحدٌ؛ وبعث على مقدّمته مالك بنَ الهيثم الخزاعي، ووافاه الحسن بنُ قحطبة من إرمينية، فاجتمع بأبي مسلم بالكُحَيل من أرض الموصل.
وفي رواية: فسار عبد الله حتى نزل نصيبين، وكان قد قَتَل من أهل خراسان سبعة عشر ألفًا خاف أن لا يوافقوه، فنفرت عنه قلوبُ الخراسانيين، ولما وصل أبو مسلم إلى الكُحَيل ولقيه الحسن بنُ قحطبة جعله على مقدّمته.
وقيل: إن أبا جعفر شيَّع أبا مسلم إلى عُكْبَرا، وبعث أبو جعفر إلى محمَّد بن صول أن يجتمع بعبد الله ويقتله غِيْلة، فجاء إليه ابنُ صول، وكتب إلى عبد الله عيونُه: صُلْ بابن صول، فقتله عبد الله.
ولما وصل أبو مسلم إلى الجزيرة، ووجد عبدَ الله قد خندق عليه بعث إليه مكيدةً استنزله عن خندقه: إني لم أُومر بقتالك، وإنما ولَّاني أميرُ المؤمنين الشامَ، وأنا أريدُها، وبلَّغ من كان معه من أهل الشام، فقالوا لعبد الله: كيف نقيمُ معك وأبو مسلم ينصرفُ إلى بلادنا وحرمنا فيقتل من قدر عليه، ويسبي ذرارينا، ونحن في خندق؟! ولكن نخرج إلى بلادنا، فإن قصدَنا قاتلناه، فقال عبد الله: والله ما يريدُ الشامَ، وما يريد إلا قتالَكم، فقالوا: لا طاقةَ لنا على هذا. فارتحل عبدُ الله من خندقه، وجاء أبو مسلم فنزل موضعه، فقال عبدُ الله: ألم أقلْ لكم: إنَّه ما يريدُ الشامَ، إنَّما يريد قتالكم؟ فاقتتلوا ستة أشهر أو خمسة.
وكان أهلُ الشام ظاهرين بالعدّة والخيل والفرسان، وكان على مقدّمة أبي مسلم الحسن بنُ قحطبة، وعلى ميمنته حُمَيد بنُ قحطبة، وعلى ميسرته خازم بن خُزَيمة (١)
(١) تحرفت في (د) و (خ) إلى: خزيمة بن خازم. انظر تاريخ الطبري ٧/ ٤٧٧.