للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعتزلة مثل ابن الوليد وغيره، [فحكى لي أبو عبد الله بن الحبارى من أهل البصرة، عن أبيه عن جده قال: اجتاز ابن عقيل] (١) بباب البصرة وهي مَحَلَّة السُّنَّة، فوجد إنسانًا من أهل المحلة يبول قائمًا، والبَولُ يجري [على] (٢) ساقيه، فقال له: اقعد قاعدًا فقد أتلفت ثيابك ورجليك، وقد نهى النبيُّ أن يبول الرجل قائمًا (٣). [قال: فعرفه] (٤)، فنظر الرجل إليه طويلًا، وقال: امشِ امشِ، المقدَّم أبو بكر. [يعني أنَّهم] (٥) كانوا يتهمونه بالتَّشيع.

ذِكْرُ وفاته:

لما احْتُضِرَ بكى عنده النِّساء، فقال: لا تبكين عندي، قد وقَّعْتُ عنه خمسين سنة، فدعوني أتهنَّا بلقائه.

وكان يقول: قد رأينا في أول أعمارنا أُناسًا طابَ العيشُ معهم كالدِّينوري، والقَزوْيني، والطَّبَري، والشِّيرازي -[وذكر مَنْ سبق اسمه] (٤) - وقد دخلتُ في عَشْر التِّسْعين، وفقدت مَنْ رأيتُ من السَّادات ولم يبق إلا أقوامٌ كأنهم المسوخ صُوَرًا، فحمدتُ ربي إذ لم يخرجني من دارٍ جامعةٍ المسارَّ، وإنَّما أخرجني، ولم يبق مرغوب فيه، فكفاني محنةَ التأسُّف على ما يفوت، لأنَّ التخلُّفَ مع غير الأمثال عَذَابٌ.

[قلت: فلو رأى هذا الزمان لترحَّم على ابن المَرْزُبان الذي فَضَّل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب] (٦).

وكانت وفاته يوم الجمعة ثاني عشر جُمادى الأولى، وصُلِّي عليه بجامع القصر والمنصور، وقال ابنُ ناصر: حَزَرْتُ الجَمْعَ الذين صَلُّوا عليه، فكانوا نحو ثلاث مئة ألف، ودُفِنَ في دكَّة الإمام أحمد ابن حنبل، رحمة الله عليه.


(١) في (ع) و (ب): واجتاز يومًا بباب البصرة، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من (ب) و (م) و (ش).
(٣) رواه ابن ماجه (٣٠٨) من حديث ابن عمر، وكذلك (٣٠٩) من حديث جابر بن عبد الله، وفي إسنادهما ضَعْف. وقد صَحَّ عنه البول قائمًا من حديث حذيفة، وقد أخرجه البخاري (٢٢٤) ومسلم (٢٧٣) (٧٣).
(٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٥) في (ع) لأنهم، والمثبت ما بين حاصرتين من (ب).
(٦) ما بين حاصرتين من (م) و (ش). وكتاب "تفضيل الكلاب على كثيرٍ ممن لبس الثياب" لابن المَرزُبان، وقد طبع غيرما طبعة.