للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّنة الثالثةُ والسبعون بعد المئة

فيها توفِّيت الخَيزُران، ومحمدُ بن سليمانَ والي البصرة.

وفيها حبس هارونُ موسى بنَ جعفر بن محمد بن عليِّ بن الحسين بن عليٍّ ، وحجَّ الرشيدُ في هذه السَّنة، فأَقدمه معه إلى بغداد، فحبسه إلى أن مات.

وقال الصُّولي: أَجرى عليه في كلِّ سنةٍ ثلاثَ مئةِ ألف درهم، ولبركةَ في كلِّ شهرٍ عشرين ألفَ درهمٍ إلى أن مات في حبسه.

وقال النَّوفلي: وضع هارونُ ابنَه محمدًا في حجر جعفرِ بن محمدٍ الأشعث، فساء ذلك يحيى بنَ خالد، وقال: لو مات هارونُ وأَفضى الأمرُ إلى محمدٍ انتقضت دولتُنا وتحوَّل الأمرُ إلى جعفر بنِ محمدٍ وولده، وقد كان يحيى عرف مذهبَ جعفرٍ في التشيُّع، فأَظهر له أنَّه على مذهبه، فأَنِسَ به جعفرٌ وأَطلعه على أمره وذكر له رأيَه في موسى بنِ جعفر، فسعى به إلى هارون، وكان هارونُ يرعى له موضعَ أبيه من الخلافة، فكان يقدِّم في أمره ويؤخِّر، ويحيى لا يألو جهدًا في جعفر، ثم إن هارونَ أمر لجعفرٍ بعشرين ألفَ دينار، فقال يحيى لهارون: إنَّ خُمس ما يصير لجعفرٍ يدفعه إلى موسى بنِ جعفر، وعلم جعفرٌ بسعاية يحيى به، فاحترز، فأرسل هارونُ إلى جعفرٍ يستدعيه، فاغتسل وتحنَّط، ولبس كفنَه تحت ثيابه، فلمَّا دخل على هارونَ شمَّ منه رائحةَ الطِّيب، فقال: ما هذا؟ فقال: قد علمتُ أنه سُعي بي إليك حسدًا لي فقلت: ما طلبني في هذه الساعةِ إلا ليقتلَني، فتحنَّطت كما ترى، فقال: كلَّا، ولكن أُخبرت أنَّك تبعث إلى موسى بخُمس مالِك، فأحببت أن أعلمَ صحَّة ذلك، فقال: يا أميرَ المؤمنين، ابعث بعضَ خدمِك إلى فلانةَ يطلب منها المال، فأرسل الخادم، فأرسلت الجاريةُ العشرين ألفَ دينار بخواتيمها، فأَحضرها بين يدي هارون، فقال هارون: ارفعها، فواللهِ لا سمعتُ فيك كلامَ أحدٍ بعد اليوم، ثم حجَّ هارونُ في هذه السنةِ وأَحرم من بغداد، ودخل مكة والمدينة، ووصل أهلَ الحرمين بأموالٍ عظيمة، ولَمَّا قفل عن المدينة، صحب معه موسى بنَ جعفر إلى بغدادَ لشيءٍ بلغه عنه فخافه، وقيل له: لا بدَّ له من الخروج عليك.