للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها خرج من الطالبيين إبراهيمُ بن إسماعيل، ويقال له: طباطَبا، وخرج أيضًا عليُّ بن الحسن بنِ إبراهيمَ بن عبد اللهِ بن حسن.

وحجَّ الرشيدُ بالناس ماشيًا يمشي على اللَّبُود، كانت تُبسط له من منزلٍ إلى منزل، وسببُ مشيه أنَّه رأىَ رسولَ اللهِ في المنام فقال. يا هارون، إنَّ هذا الأمرَ صائرٌ إليك، فحجَّ ماشيًا، واغزُ، ووسِّع على أهل الحَرَمين، فأَنفق فيهم أموالًا عظيمة.

وقيل: كان الهادي قد أَحلفه لابنه جعفرٍ أَيمانًا معظَّمة من الطلاق والعتاقِ والحجِّ ماشيًا، ولم يحجَّ خليفةٌ قبلَه ولا بعده ماشيًا، ولا حجَّ بعده خليفة أبدًا.

وغزا في هذه السَّنة، فقال داودُ الواسطي: [من الطويل]

بهارونَ لاح النورُ في كلِّ بلدةٍ … وقام بها في عَدْل سيرتِه النَّهجُ

إمامٌ بذات اللهِ أصبح شغلُه … وأكثرُ ما يُعنَى به الغزوُ والحجُّ

فإنَّ أمينَ اللهِ هارونَ ذا (١) النَّدى … يُنيل الذي يرجوه أضعافَ ما يرجو

وقيل: إن الحَجَّة التي مشى فيها سنةَ سبعٍ وسبعين ومئة.

فصل وفيها توفِّيت

جوهرةُ (٢) العابدةُ الزاهدة

زوجةُ أبي عبدِ الله البَرَاثيِّ الزاهد. وكان أبو عبدِ الله منقطعًا بقوية بَرَاثا غربيَّ بغداد، فمَّرت به جوهرةُ وكانت من بنات الملوك، فأَعجبها حُسنُ عبادته، فتركت الدنيا وتزوَّجتْه.

قال حكيمُ بن جعفر: كنا نأتي أبا عبدِ الله البَرَاثي ببراثا، وكانت له امرأةٌ متعبِّدة يقال لها: جوهرة، وكان يجلس على جُلَّة خوصٍ وجوهرةُ جالسة حذاءه على مثلها، فأتيناه يومًا وهو جالسٌ على الأر ض، فقلنا: ما فعلت الجُلَّة؟ فقال: إنَّ جوهرةَ أيقظتني البارحةَ فقالت: أليس يُقال في الحديث: إنَّ الأرض تقول لابن آدم: تجعلُ بيني وبينك سِترًا وأَنت غدًا فِي بطني! قلت: فقالت: هذه الجِلَالُ لا حاجةَ لنا فيها،


(١) في (خ): ذي، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٢٣٤.
(٢) كذا في المنتظم ٨/ ٣٣١، وصفة الصفوة ٢/ ٥٢١، وفي تاريخ بغداد ١٦/ ٥٨١ - ٥٨٢ و ٦٢٣: جوهر.