للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتَّى ثوبيك، فقال: أنا والله تابع محمدًا ، وتاركٌ عبادة الحجر، وهذا ما بيدي فخذه، فأخذ ما بيده حتَّى جرَّده من إزاره، فأتى أمه، فقطعت له بجادها قطعتين، فاتزر بواحدة، وارتدى بالأخرى [والبجاد كساء مخطط من أكسية الأعراب]

ثم قدم المدينة، وكان قد أقام بورقان جبل من جبالها، فدخل المسجد، فاضطجع فيه، وكان رسول الله يتصفح وجوه الناس إذا انصرف من صلاة الصبح، فلم انظر إليه أنكره، فقال: "مَن أنت؟ " فانتسب له، وكان اسمه عبد العزى، فقال: "أنتَ عبدُ الله ذو البِجادَين"، ثم أنزله قريبًا منه، فكان في ضيافته، وعلمه القرآن حتَّى قرأ قرآنًا كثيرًا، وكان صيتًا يرفع صوته بالقرآن، فقال عمر رضوان الله عليه: يا رسول الله، ألا ترى إلى هذا الأعرابي قد منع الناس القراءة، فقال: "دعهُ يا عُمرُ، فإنَّه خرج مُهاجرًا إلى الله ورسولهِ"، ثم خرجوا إلى تبوك، فقال: يا رسول الله، ادع لي بالشهادة، فقال: "أَبغِني لحاء سَمُرةٍ" فربطها في عضده، وقال: "اللَّهمَّ إنِّي أُحرِّم دَمَه على الكفَّارِ" فقال: يا رسول الله، ليس هذا أردت، فقال: "إنَّك إذا أخذتكَ الحمَّى كنتَ شهيدًا وإن وقصتك دابتك فأنت شهيد"، وأقام رسول الله بتبوك أيامًا، فتوفي ذو البجادين بها.

قال بلال بن الحارث: حضرت مع رسول الله ومع بلال شعلة من نار عند القبر واقفًا بها، وإذا رسول الله في القبر وأبو بكر وعمر رضوان الله عليهما يدليانه على رسول الله وهو يقول: "دَلِّيا إلي أخاكُما" فلما هيآه (١) لشقه في اللَّحد قال: "اللَّهمَّ إنِّي أمسيتُ راضيًا عنه فارضَ عنه" فقال ابن مسعود: ليتني كنت صاحب الحفرة، ولقد أسلمت قبله بخمس عشرة سنة، وترك ابنة فقضى بها رسول الله لأمها.

[وفيها توفي]

معاويةُ بن معاوية

الليثي، وقيل: المزني، من الطبقة الثالثة من المهاجرين، قال [ابن سعد بإسناده عن العلاء أبي محمد الثقفي قال: سمعت] أنس بن مالك: كنت مع رسول الله


(١) في (أ، خ): أنهياه، والمثبت من (ك)، و"الطبقات" ٥/ ١٣٨، وانظر "المنتظم" ٣/ ٣٧٦، و"الإصابة" ٢/ ٣٣٨.