فيها خرج عضد الدولة إلى هَمَذان فأقام بها، وقدم عليه الصاحب إسماعيل بن عبَّاد من عند أخيه مؤيَّد الدولة من الريّ، فخرج عضد الدولة للقائه بعيدًا عن همذان، وبالغ في إكرامه واحترامه، وأمر أربابَ الدولة بالتردُّد إلى خدمته كلَّ يوم، وتمارض فجاء عضد الدولة إلى عيادته مرَّتين، وكلّ ذلك فعله تأنيسًا لأخيه مؤيد الدولة.
وورد كتاب مؤيَّد الدولة يستطيل مقامَ الصَّاحب، ويذكر اضطرابَ الأمور بغيبته، فخلع عليه عضد الدولة الخِلَع النَّفيسة، وحمله على الخيل العِتاق بمراكب الذهب، وأقطعه إقطاعاتٍ جليلةً، وسار إلى مؤيَّد الدولة في ربيع الآخر.
وعاد عضد الدولة إلى بغداد بعد أن هَذَّب الجَبَل، وقبض على جماعةٍ من الأكراد، وأخذ قلاعَهم، فنزل النَّهْروان حادي عشر جُمادى الآخرة يوم الأربعاء، والتمس من الطَّائع أن يتلقَّاه.
قال ابن حاجب النُّعمان: لم تكن العادةُ جاريةً بتلقِّي الخلفاء للأمراء، وإنما فتح هذا الباب المطيع، لما ماتت أختُ مُعزِّ الدولة ركب المطيع إليه، فعزاه فيها، فطَمِع الأمراء في الخلفاء، فلما نزل النَّهْروان أرسل أَبا الحسن محمَّد بن عُمر العَلويّ إلى الطائع، فوافى بابَ دار الخلافة نصفَ الليل، فقال أصحاب النَّوبة: لا سبيلَ لك إلى الوصول إلى الخليفة، فقال: طالعوه بأني جئتُ في مُهمّ، فأخبروا الخدم، فأمر الطائع بإحضاره، قال: فقبَّلتُ الأرضَ بين يديه وقلتُ: يَا مولانا أمير المُؤْمنين، قد وصل هذا الملك، وهو من الأكابر المُعَظَّمين، والملوك المُفَخَّمين، وقد أمَّل من مولانا أن يُميّزه على مَن تقدَّمه، ويُشرِّفه باستقباله الذي يُنبي عن جميلِ الرأي فيه، فقال الطائع: نحن على ذلك عازمون، وله مُعتَقدون.
وقيل: لم يكن للطائع نيَّةٌ في ذلك، وإنما لم يَقدِر على الامتناع، فأظهر المنَّةَ ابتداءً منه.
وعاد محمَّد إلى عضد الدولة فأخبره فقال: هذه خدمةٌ قد أحسنتَ المقام فيها، وبقيت أخرى لا أعرف لها سواك، قال: وما هي؟ قال: تمنع العوامّ غدًا عند لقائنا من