للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما في تَساقي الموتِ في الحرب سُبَّةٌ … على شارِبيه فاسقني منه واشرَبا (١)

وفيها توفي

مُطَرِّف بن المغيرة

ابن شعبة (٢) الثَّقَفي. [لأبيه صحبة، وقد ذكرناه].

كان هو وأخواه عروة وحمزة نبلاء أشراف من وجود أهل الكوفة، ولما قدم الحجاج الكوفة راعى فيهم عهدَ أبيهم المغيرة، ومَيلَه إلى معاوية وبني أمية، فاستعمل عروة على الكوفة، ومُطَرِّفًا على المدائن، وحمزة على هَمَذان.

وكان مطرِّف حسنَ السيرة، قامعًا للمفسدين، مُبيدًا للظالمين، ولما جرى بينه وبين رُسُلِ شَبيب ما جرى من المناظرة، وقال لسويد بن سُليم: أنا معكم على قَمْعِ الظالمين والمفسدين، وأعمل بكتاب الله وسنّة رسوله؛ طمع فيه شَبيب، وأعاد سويدًا إليه، وعند مُطَرِّف النَّضْر بن صالح، وكان عنده عزيزًا، فأراد أن يقوم، فقال له مطرف: اجلس فما دونَك ستر، وكان النَّضْر من بني جَذِيمة شريفًا جميلًا، فقال له سويد: إنا عَرَضْنا على أمير المؤمنين شَبيب ما ذكرت، فذكر لنا فصولًا منها أنه قال: قولوا له: أليس قد مَضَت السُّنَّة أن المسلمين إذا اختاروا خيرًا وأجمعوا عليه؛ وجب المصير إليه، ونحن من أهل الحق، وقد اختَرْنا مَن رأيناه أهلًا، فما لم يُغيِّر أو يُبدِّل فهو وليُّنا، وأما حديث الشُّورى؛ فنحن أهل الشُّورى، وقد اخترنا مَن رأيناه صالحًا لهذا الأمر، ولو دخلْنا في الشُّورى مع غيرنا كنا مُخطئين؛ لأن فيه عَوْنًا للظالمين، وذكر كلامًا ليس له حاصل. فقال له مُطَرِّف: ارجع إلى صاحبك لننظر في أمرنا.

ودعا مُطرِّف رجالًا من ثقاته وأهل بطانته، فقال لهم: أنتم نُصحائي، وأهل مَودَّتي، ومَن أثق به، والله إنني كاره لأفعال هؤلاء الظَّلَمة المُستَحِلّين، وإنني لأرى قتالهم فرضًا عليّ وعلى المسلمين، فلما مرَّ بي هؤلاء القوم دعوتُهم إلى كتاب الله، وسنَّةِ رسوله، وجعلِ الأمر شورى بين المسلمين، ولو بايعوني على ذلك لخلعتُ الحجاج


(١) "الحماسة" بشرح التبريزي ٢/ ١١١، وبشرح المرزوقي ٢/ ٦٨٢، وانظر "شعر الخوارج" ١١٣.
(٢) بعدها في (أ) و (ب) و (خ) و (د): بن المغيرة، وليست في (ص) وهو الصواب، وما سيرد بين معكوفين منها.