أما سيفٌ فإنه قال: إنّما التقى الأحنفُ بنُ قيسٍ بيَزْدَجِرْدَ في سنة ثماني عشرةَ لما انهزم يزدجرد من جَلولاء يُريد الرَّيَّ، وكان في مَحمِلٍ على جملٍ نائمًا، وكان إذا سارَ ينام، فانتهى به السير إلى مخاضةٍ، فأيقظه أصحابُه خوفًا عليه، فقال: بئسَ ما فعلتُم، فإني رأيتُ أني الساعةَ ومحمدًا تَناجينا عند اللَّه في مدَّة مُلكنا، فأيقظتموني ولم يتقرَّر شيءٌ، فلو تركتموني لعلمتُ ما مُدَّةُ مُلكنا ومُلكِهم.
ثم وصل إلى مَرْو، واستمدَّ ملوكَ التّركِ والهندِ والصين فأمدّوه، وسار إليه الأحنفُ بنُ قيسٍ في عشرة آلافٍ من البصرةِ والكوفةِ بأمر عمرَ، وأسند ظهره إلى الجبلِ على ما ذكرنا، والتقى الفريقانِ، فخرج فارسٌ من التُّرْكِ، فطلب المبارَزةَ، فبرز إليه الأحنفُ بن قيسٍ وهو يقول:[من الرجز]:
إنَّ على كلِّ رئيسٍ حَقَّا
أن يَخْضِبَ الصَّعْدةَ أو تَنْدَقَّا
إنَّ لنا شَيخًا بها مُلَقَّى
سيفَ أبي حَفْصِ الذي تَنَقّى
وحمل على التُّركي فقتله، ثم برز إليه آخر فقتله، وآخر فقتله، فقال ملِكُ التُّرْكِ لأصحابه: ارتَحلوا، فقد تشاء متُ بقَتْلِ ثلاثةٍ من فرسانِنا، فارتحل وقطع النهر (١).
فصل: وفيها فُتِحت تَوَّج، كانتِ الفُرْسُ قد خرجت منها ليَحموا حُصونهم، فقصدها مُجاشع بن مسعود ففتحها.
وفيها فُتِحت إصْطَخْرُ على يد عثمان بن أبي العاصِ الثقفي بعد قتالٍ شديد.
قال زياد الأعجم: قدم علينا أبو موسى الأشعري إصْطَخْر وعثمان يُحاصرها، أقدمه عمر رضوان اللَّه عليه مددًا لعثمان، وأمرهما بالاتّفاق، فاتفقا، وطال الحصار، فقال عثمان لأبي موسى: أريد أن أبعثَ أُمراء إلى هذه الرساتيق التي حولنا يُغيرون
(١) من قوله: ثم وصل إلى مرو. . . إلى هنا ليس في (خ) و (ع).