للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكْرُ الفُسْطاط

قال الجوهري: الفُسْطاط بيتٌ من شَعَرٍ، قال: وفسطاط مدينةُ مصر (١).

وقال هشام: لما امتنعوا من الصُّلْحِ عزمَ عَمرو أن يسيرَ إلى الإسكندرية، فأمر بفُسطاطِه أن يُقَوَّضَ، فقيل له: إن حمامةً قد عشَّشت في أعلاه، ولها بَيْضٌ، فقال: نحنُ أولى مَن عَرفَ حُرمةَ الجِوار، وقد تَحرَّمت بجِوارنا، أقِروّا الفُسطاط حتى تَطيرَ فِراخُها، ووكَّل به مَن يَحرُسه، فمازال حتى طارتِ الفِراخُ، فلذلك سُمّيَ الفُسْطاط.

وسار عمرو إلى الإسكندرية في شعبان فافتتحها، وقال الهيثم: بعث عمرو أبرهةَ ابنَ الصباحِ إلى الفَرَما، وهي مدينةٌ عتيقةٌ على ساحل بحرِ الرُّومِ، مقابل القُلْزُمِ، وبعث عوفَ بن مالك إلى الإسكندرية ففتحها.

قال: وكان الإسكندر [والفَرَما] أخوَيْن فبنى الإسكندرُ الإسكندريّةَ، وبنى الفَرَما الفَرَما على نَعْتِ الإسكندرية، وهي الآن مدينةٌ رَثَّةٌ، ولم تزلُ منذُ بُنيتْ رَثَّةً، ومازالت الإسكندرية بَهِجَةً، يرتاحُ إليها كلُّ من رآها، فسأل عوفٌ أهلَ الإسكندرية فقال: ما أحسن مدينتكم؟! فقالوا: إنَّ الإسكندرَ لمّا بناها قال: قد بَنيتُ مدينةً فقيرةً إلى اللَّه، غنيّةً عن الناسِ، فبقيت بَهْجَتُها.

وقال أبرهةُ لأهلِ الفَرَما: ما أخلقَ مدينتكم؟! قالوا: إن الفَرَما لمّا بناها قال: هذه مدينةٌ غنيّةٌ عن اللَّه فقيرةُ إلى الناسِ، فذهبت بَهْجتُها.

وأقام عمرو على مِصرَ أميرًا من قِبَلِ عمر، وبعث إلى عمر بالفتحِ والأخماس.

وقد روى أحمد بإسناده عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللَّه : "ستَفتحون مِصرَ، وهي أرضٌ يُذكر فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسِنوا إلى أهلها، واستوصوا بهم خيرًا، فإنَّ لهم ذِمَّةً ورَحِمًا وصِهْرًا، وإذا رأيتَ يَا أَبا ذرٍّ رجلين يختصمانِ في لَبِنَةٍ فاخرُج"، قال: فرأيتُ عبد الرحمن بن شُرَحْبيل بن حَسَنَةَ وأخاه ربيعةَ يَختصمان في مَوْضعِ لَبِنَةٍ، قال: فخرجتُ منها. انفرد بإخراجه مسلم (٢).


(١) صحاح الجوهري: (فسط).
(٢) مسند أحمد (٢١٢٥٠)، وصحيح مسلم (٢٥٤٣).