فكتب عمرو إلى المقَوْقِس بذلك فرضي، وجمع المسلمون ما عندهم من السّبايا، واجتمع النصارى وخَيَّروهم، فمنهم مَن اختار الإِسلام، ومنهم من عاد إلى دينه، وانعقد الصُّلح وعمر مُقيمٌ في أرض مصر.
وقال سيف عن أشياخه: خرج عَمرو إلى مصر بعد أن عاد عمر بنُ الخطاب رضوان اللَّه عليه إلى المدينة، فانتهى إلى باب مِصر، واتّبعه الزُّبير ﵁، واجتمعا، فلقيهم هناك أبو مريم جاثَليق مصر (١)، ومعه الأُسقُفّ الذي بَعثه المقوقس لمنع بلاده، وشرعوا في القتال، فأرسل إليهم عمرو: ابرُزا إليّ ولا بأس عليكما، فبَرَزا، وخرج إليهما عمرو فقال لهما: أنتما راهِبا هذه المدينة، فاسمعا ما أقول:
إن اللَّه ﷾ بعث محمدًا ﷺ بالحق، وأَمَره فقام به أحسنَ قيام، وأدّى إلينا كُلّ ما أُمر به، ثم مضى، وتَرَكَنا على بيضاءَ نَقيَّةٍ واضحةٍ، وكان فيما أَمَرَنا به الإعْذارُ إلى الناس قبل القتال، ونحن نَدعوكم إلى الإِسلام، فإن أجبتُم قبِلْنا، ومَن لم يُجب عَرضْنا عليكم الجِزية، وكان فيما أَمَرَنا به الوَصيَّة بكم، وأخبرنا أنا نَفتحَ أرضَكم فقال:"ستفتحون أرضًا يُقال لها مصر، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذِمَّةً ورَحِما".
فقالا: قَرابةٌ بعيدة، فلا يَصلُ مثلَها إلا الأنبياء وأتباعُ الأنبياء، وهي شريفة، كانت بنتَ مَلِكنا، فصارت إلى إبراهيم خليلِ اللَّه، فمرحبًا بكم وأهلًا، آمِنّا حتى نَرجع إليك، فقال عَمرو: مثلي لا يُخدع، وقد أجَّلتُكما ثلاثًا لتَنظُرا وينظر قومكما، وإلا ناجَزتُكما، قالا: زِدْنا أيّامًا فزادهما.
فرجعا إلى المقوقس وأخبراه، فهَمَّ أن يُجيب، فنهاه الأرطبون وقال: ناهِدْهم، فقاتلوا المسلمين عند عين شَمس -وهي كانت دارَ فرعون، فانهزم القوم، وظَفِر بهم المسلمون، فقالوا للمُقَوْقِس: قومٌ قَهروا كسرى وقَيْصر، وأزالوا مُلكهما، لا طاقةَ لنا بهم، فأرسل إلى عمرو يَسأله الصُّلح، فصالحهم على نفوسهم وأموالهم وكَنائسهم على أن يُعطوا الجزية، ثم جاء عمرو فنزل مكان الفُسطاط اليوم.