قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (٣٠)﴾ [البقرة: ٣٠] واختلفوا في الملائكة الذين قال لهم هذا على قولين: أحدهما: أنَّهم جميع الملائكة، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: أنهم الملائكة الذين كانوا مع إبليس في الأرض خاصة، قاله مجاهد. والأول أصح.
واختلف العلماء في المقصود بإعلام الملائكة بخلقه على أقوال:
أحدها: أنَّ الله أراد أن يبلو طاعة الملائكة، وهو أعلم بهم، قاله الحسن البصري.
والثاني: أنَّه أراد إظهار ما في باطن إبليس من الكبر والحسد، وكان ذلك قد خفي عن الملائكة، لما يرون من تعبُّده واجتهاده وتواضعه، رواه العَوْفي عن ابن عباس.
والثالث: أنَّ الملائكة ظنَّت أنه لا يَخلق خلقًا أكرم منهم، فأخبرهم بوجود غيرهم ليوطِّنوا نفوسهم على العزل، قاله مجاهد.
والرابع: أنَّه أراد تعظيم آدم بالخلافة قبل وجوده ليعَظِّموه إذا وجد، قاله الرَّبيع بن أنس.
والخامس: أنَّه لما خلق النَّار جزعت الملائكة وقالوا: يا ربَّنا، لمن هذه؟ قال: لمن عصاني، قالوا: أَوَيأتي علينا زمان نعصيك فيه؟ فأخبرهم أنه يخلق لها من يعصيه، فاطمأنُّوا، قاله زيد بن أسلم (١).
والسادس: لأنَّه أراد إظهار عجزهم عن ما يعلم، لأنهم قاسوا على من كان قبل آدم، قاله مقاتل.
والسابع: أنَّه أعلمهم بما يكون في المستقبل، ليعلموا علمه بالحوادث، قاله الوَالِبي.
والثامن: أنَّ الملائكة لما طردت المفسدين من الأرض، أقاموا يعبدون الله، وذلك قبل خلق آدم، فأخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة غيرهم، قاله مقاتل بن حيَّان.
(١) في "زاد المسير" ١/ ٥٩، و"التبصرة" ١/ ١٢: ابن زيد.