للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيضاء، فرموا به بين يدي السَّرير، وهو يقول: العفوَ العفوَ عند القُدْرة. فقال مسعود: هذا هو السَّببُ فيما جرى بيننا، فإذا زال السبب زال الخلاف، وهذا الآن بين يديك، فمهما تأمر يُفعل به، ودُبَيس يبكي ويتضرَّع بين يدي السَّرير، فقال الخليفة ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [يوسف: ٩٢] وتقدَّم بحَلِّ كِتافه (١)، وسألَ السُّلْطانُ الخليفةَ أَنْ يُنْعِمَ على دُبَيس بتقبيلِ يده، فأعطاه يده، فقبَّلها، وأمرَّها على وجهه وصَدْره، وأقام الخليفةُ مكانه حتى قُتِلَ في ذي القَعدة، وسنذكره إن شاء الله تعالى (٢).

وأما بكبة فإنَّه شَرَعَ في نَقْضِ سور بغداد، وكلَّف أهلَ محالِّ الجانبِ الغربي بنَقْضه. وقال: أنتم عمرتموه فانقضوه. واستطال على أهل بغداد.

وقال ابنُ القلانسي: وفيها هَرَبَ الحاجبُ يوسف بن فيروز شِحْنة دمشق إلى تدمر خوفًا من شمس الملوك بن بوري، وكانت تدمر لشهاب الدِّين محمود بن بوري في زمان أبيه، فَسَئِمَ من المقام بها، وسأل أباه نَقْلَه إلى دمشق، فأجابه، فاستعان يوسف بجماعةٍ من الأمراء على تحصيل تدمر، فخاطبوا بوري، فأعطاه إياها، فَشَرَع في ترميم حِصنها، ونَقْلِ الغِلال والذَّخائر إليه. فلمَّا تنكَّر عليه شمسُ الملوكِ، وعزم على مصادرته وهلاكه هَرَبَ إلى تدمر، ونَدِمَ شمسُ الملوك على إفلاته من يده، فكاتبَه واستماله، وطيَّب قلبه، فلم يلتفت إليه، وقال: أنا [الغلام] الخادم المقيم على الخِدْمة. ولم يَعُدْ إليه (٣).

فصل: وفيها توفي

إسماعيل بن بوري بن طُغْتِكين، شمس الملوك، صاحبُ دمشق (٤)

وكان قد ساءت سيرته، وصادر النَّاس، وأخذ أموالهم، وولَى عليهم رجلًا كرديًّا يقال له بدران الكافر، فَشَرَع في العقوبات، وأنواع العذاب، وظهر من شمس الملوك


(١) الكتاف: الحبل الذي يكتف به الإنسان. انظر "اللسان" (كتف).
(٢) انظر ص ٢٧٨ - ٢٨٠.
(٣) انظر "ذيل تاريخ دمشق" لابن القلانسي: ٣٨٦ - ٣٨٧، وما بين حاصرتين من (خ).
(٤) انظر كذلك في ترجمته "ذيل تاريخ دمشق"، لابن القلانسي: ٣٧٨ - ٣٩٠، و"الكامل" ١١/ ٢٠ - ٢١، و"سير أعلام النبلاء": ١٩/ ٥٧٥ - ٥٧٦.