للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدم بغداد في أول ولاية المستضيء، ووعظ بالنِّظامية، ونَصَرَ مذهب الأشعري، وبالغ في ذمِّ الحنابلة. وقال: لو كان إليَّ أمرٌ لوَضَعْتُ عليهم الجِزْية، [وكان شابًّا حَسَن الصُّورة، مليح العبارة، فصيحًا، فيقال: إن الحنابلة دسُّوا عليه من قتله أو سمَّه؛ جاءته] (١) امرأةٌ في الليل ومعها صحن حلوى، فطرقت بابه [فقال: مَنْ؟] (١) قالت: أنا امرأةٌ آكل من مغزلي، وقد غَزَلْتُ قطنًا وبعتُه، واشتريت من ثمنه هذه الحلوى، واشتهيت أن الشيخ يأكل منه، فإنَّه حلال. فتناوله منها ومَضَتْ، فجلس يأكل هو وزوجتُه وولد له صغير، فأصبحوا موتى جميعًا في رمضان، ودُفِن بباب أبرز.

وكان قد عدا في تلك الأيام ساعٍ للشِّيعة أسود، فخرجوا للقائه، فأنبط [ولم يجئ]، فضاقت صدورهم.

قال المصنف : فجلس جدِّي عقيب ذلك، وقال في أثناء كلامه: كم أبرق مبتاع بأصحاب أحمد وأرعد، فحظي بوباله وهُمْ بالعيش الأرغد، وأما أنت يا أبعد، فإنْ أردت تموت أو أردت تجرَّد، مات البروي وأنبط الأسود.

السَّنة الثامنة والستون وخمس مئة

فيها خَتَنَ الخليفةُ أولاده، فيقال: إنَّه ذبَحَ ألف رأس من الغنم وخمس مئة بقرة وخمسة آلاف دجاجة، وعمل ألف صحن حلوى، وعشرين ألف قطعة خُشْكنانك (٢)، وخَلَعَ على جميع أربابِ الدَّولة والقضاة والعدول، والعلماء، والصُّوفية وغيرهم.

وفيها بعث صلاحُ الدِّين إلى نور الدين هدية فيها فيل وحمار عتَّابي، فبعث بها نور الدين إلى بغداد، وخرج النَّاس لتلقيها، وتعجبوا (٣) من خِلْقة الحمار.

[وكان بمحلة العَتَّابيين رجلٌ نحوي، قاصر في كل شيء، قد تعلَّق بطرف من النحو، وكان يدعي دعاوى عظيمة، فخرج مع الناس يتفرج، ورآه بعض الظراف: فقال: يا


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) نوع من الفطير المصنوع من الزبد والسكر والجوز أو الفستق ويكون على هيئة الهلال، انظر "المعرب": ١٣٤، ودوزي: ١/ ٣٧٣.
(٣) في (م): وعجبوا.