للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنقك، فلما رأت الجدَّ أخرجتهُ من ذوائبها قد خبأته في شعرها، فخلوا سبيلها، فرجعوا بالكتاب وذكر بمعنى ما تقدم (١).

ذِكْرُ مسير رسول الله إلى مكّة:

كتب إلى القبائل فقدم عليه إلى المدينة أَسلمُ وغِفارُ ومُزينةُ وجُهينةُ وأشجعُ، وبعث إلى بني سُليم فوافوه بقُدَيْدٍ، فأما جميع العرب فخرجوا معه من المدينة في عشرة آلاف.

قال علماء السير: وخرج يوم الأربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان وهو صائم، واستخلف على المدينة أبا رُهْم كلثومَ بن حُصَين الغِفاري، وعلى الصلاة ابنَ أم مكتوم، وسار في المهاجرين والأنصار، ووافته القبائل على المياه.

قال الواقدي: لقيه العباس بن مرداس بقُدَيد في ألف من بني سليم وأنس بن عباس (٢)، وكان أنس وفد على رسول الله المدينة في بني سُلَيْم وفيهم قيس بن نُشْبَة، فسمع كلامَ رسول الله ورجع إلى بني سليم وقال: والله لقد سمعت تراجم الروم، وهَمْهَمةَ فارس، وكَهانة الكُهَّانِ، وقصائد العرب، فما يُشبه كلام محمد شيئًا من ذلك، فأسلموا ترشدوا، فأسلموا وكان لهم صنم وله سادن يقال له: غاوي بن عبد العزى، فدخل يومًا على الصنم فرأى ثعلبين يبولان عليه فقال:

أَربٌّ يبول الثعلبانِ برأسه … لقد ذَلَّ من بالت عليه الثعالب

ثم شد على الصنم فكسره وجاء رسول الله مسلمًا فقال له: "ما اسمك"؟ فقال: غاوي بن عبد العزى، فقال: "أَنتَ راشدُ بنُ عبدِ رَبِّه" وحَسُنَ إسلامه، وأقطعه رسولُ الله رُهاطًا وفيها عين يقال لها: عين الرسول، وعقد له لواءً على قومه وقال: "خَيْرُ سليمٍ راشِد" وكان يَقْدُمُ سُلَيْمًا أنسُ بن عباس يوم الفتح (٣).

ولما نزل رسولُ الله -قُدَيْدًا وافته القبائِلُ من الأعراب الذين حول المدينة: أسْلَم


(١) انظر تفسير الثعلبي ٩/ ٢٩١، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٤٤٧ - ٤٤٨.
(٢) في "الطبقات": أنس بن عياض بن رعل. وفي "الإصابة" ١/ ٧٠: أنس بن عباس بن رعل، نقلًا عن "الطبقات".
(٣) انظر "الطبقات" ١/ ٢٦٥ - ٢٦٦، ورواية البيت في كتب اللغة: "يبول الثُّعْلُبانُ"، والثُّعلُبان: ذكر الثعالب. أدب الكاتب ١/ ٢٢، وفقه اللغة ١/ ١٢٧٨.