للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمَّا رأيتَ الأرضَ قد سُدَّ ظهرُها … ولم تَرَ إلا ظهرَها لك مَخْرَجا

دعوتَ الَّذي ناداه يونس بعدَ ما … ثَوَى في ثلاثٍ مُظْلِماتٍ فَفَرَّجا

وأصبحتَ تحتَ الأرضِ قد سِرْتَ ليلةً … وما سار سارٍ مثلَها حين أدْلَجَا (١)

وفيها عزلَ هشامُ بنُ عبد الملك [عن المدينة]:

عبدَ الواحد بنَ عبد الله

ابن كعب بن عُمير النَّصْري، ويعرف بابن بُسْر، وكنيتُه أبو بُسْر، كانت له دارٌ بدمشق في سوق القمح تُعرف بدار العميان، وهو من الطبقة الثالثة من أهل الشام. قال أبو زُرْعة الدمشقيّ: هو جَدُّنا.

ولأبيه عبد الله صحبة.

وكان عبدُ الواحد رجلًا صالحًا؛ حجَّ بالناس سنة أربع ومئة لمَّا نُزِعَ عن المدينة عبدُ الرحمن الفِهْرِي (٢)، ولم يَقْدَمْ إليهم والٍ أحبَّ إليهم من عبد الواحد، كان يذهبُ مذاهبَ الخير، ويستشير الفقهاء، كسالم، والقاسم.

وقال مصعب الزُّبيري: ثبتَ في أيامه بالمدينة أوقافٌ؛ كثيرة من أوقاف الصحابة، منها وَقْفُ الزبير بن العوَّام ، فهو ثابت إلى اليوم (٣).

ولما عزله هشام صعد المنبر وقال: يا أهل المدينة، واللهِ ما أبكي جَزَعًا من العَزْل، ولا ضَنًّا بالولاية، ولكن أَربأُ بهذه الوجوه المجاورة لرسول الله أن يتبدَّلَها غيري من لا يعرف من حقِّها ما أعرف، وإني وإياكم كما قال أخو كِنانة:

فما القَيدُ أبكاني ولا السجنُ شَفَّني … ولكنّني من خشية النارِ أجْزَعُ

بلى إن أقوامًا أخافُ عليهمُ … إذا مِتُّ أن يُعطوا الَّذي كُنْتُ أمنعُ

فبكى الناس؛ لأنه كان مُحسنًا إليهم، لم يجعل بينه وبينهم حجابًا قطّ (٤).


(١) المصدران السابقان.
(٢) هو عبد الرحمن بن الضحاك، وسلف ذكر سبب عزله في سنة (١٠٤).
(٣) ينظر ما سلف من هذه الترجمة في "تاريخ دمشق" ٤٤/ ١١ - ١٧ (طبعة مجمع دمشق).
(٤) لم أقف على هذه القصة لعبد الواحد النصري، وهي في "عيون الأخبار" ١/ ٥٦ - ٥٧ لعبد الرحمن بن الضحاك. وذكر ابن عساكر في و"تاريخ دمشق" ٩/ ٩٨٤ (مصورة دار البشير) روايةً جاءت القصة فيها لمحمد =