للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث الخوارج]

واختلفوا فيه، وقد ذكرنا عن أبي مخنف أن الخوارج دخلوا على أمير المؤمنين وقالوا: لا حُكم إلا لله، وأنه قال: كلمةُ حق أُريد بها باطل، وقولهم: تُب من خطيئتك، واخرج بنا إلى القوم فقاتلْهم، وقوله: إنا عاهدْنا القوم عُهودًا، وقد قال الله ﴿ولَا تنَقضوا الأيمن بعد توكيدها﴾، فقال له حرقوص بن زهير السعدي: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه، فقال علي: ما هو ذنب، ولكنه عَجْزٌ من الرّأي، وضَعْفٌ في العقل، وقد نهيتُّكم عنه، وأنهم خرجوا من عنده وهم يقولون: والله لنُقاتلَنك نطلب بذلك وجهَ الله، وكان القائل لهذا زُرْعَة بن البُرْج الطائي، فقال علي: كأني بك والله قتيلًا تسفي عليك الرّياح (١).

وقال أبو مخنف عن أشياخه قالوا: لما بعث علي أبا موسى لإنفاذ الحكم اجتمعت الخوارج في منزل عبد الله بن وَهب الرَّاسِبيّ، فخطبهم وقال: ما ينبغي لقومٍ يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم القرآن؛ أن يرضوا بهذه الأحكام، فاخرجوا بنا من هذه القرية الظَّالمِ أهلُها إلى جانب هذا السَّواد، أو إلى بعض كُوَر الجبال، أو إلى بعض الأماكن، منكرين لهذه البِدَع المُضِلّة، والأحكام الجائرة، ثم زهَّدهم في الدنيا، ورَغَّبهم في الآخرة، وأمرهم بالمعروف، ونهاهم عن المنكر، وأمرهم بقول الحق.

فقال حُرقوص بن زهير السَّعدي بعد حمد الله والثناء عليه: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وَشيك، فلا تَدْعُونّكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، فإن الله مع الذين اتقَوْا والذين هم مُحسنون.

فقال حمزة بن سنان: يا قوم، إن الرأيَ ما رأيتم، وإن الحقّ ما ذكرتُم، فولُّوا أمرَكم هذا رجلًا منكم، فإنه لا بُدَّ لكم من عِماد وسند، وراية تَحفّون بها وترجعون إليها، فعرضوا ذلك على رؤسائهم: زيد بن حُصَين الطائي، وحُرقوص، وحمزة بن سِنان، وشُرَيح بن أَوفى (٢)، فأبى كلّ واحد، فقال عبد الله بن وَهب الرَّاسِبيّ: أما والله لا آخُذها


(١) من قوله: تسفي عليك الرياح، في الصفحة السابقة، إلى هنا ليس في (خ).
(٢) في (خ): بن أبي أوفى، وهو خطأ.