للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله، فيُحييا ما أحيا القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بغير ذلك فنحن من حُكمهما براء. قالوا: فلِم جعلتَ بينك وبينهم أجلًا قال: لعل الله أن يَحقِن به دماءَ هذه الأمة، فيتثبت العالم، ويتعلّم الجاهل، قالوا: فنحن قد أخطأنا، ونحن نتوب إلى الله، وكان ذلك كفرًا منا، فاعترف كما اعترفنا نبايعْك، وإلا فنحن مخالفوك. فرجع عنهم، ورحلوا إلى النهر.

والقول الثاني: أنَّه بعث إليهم عبد الله بن عباس، ثم خرج إليهم بعد ذلك، وهو الأصح.

وقال أبو اليقظان: لما انقضى الأجل بعث معاوية إلى أمير المؤمنين بمَعْن بن يزيد بن قيس الأسلمي (١)؛ يستبطئه في إرسال الحكم، فجهَّز شُريح بن هانئ، وابنَ عباس وأبا موسى على ما ذكرنا.

قال: ولما فصلوا عن الكوفة دخل على علي جماعة من الخوارج؛ منهم حُرْقوص بن زهير السَّعديّ، وزُرْعَة بن بُرْج الطائي فقالوا: لا حكم إلا لله، فقال: نعم لا حكم إلا لله، قالوا: فتب إلى الله من خطيئتك، أو اخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتَّى نلقى ربَّنا، فقال لهم: قد أردْتكم على هذا فعصيتموني، وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابًا، وشرطنا شروطًا، وأعطينا عُهودًا، وقد قال الله تعالى ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النحل: ٩١]، فقال حُرقوص: فذلك ذَنبٌ ينبغي أن تتوبَ منه، فقال: ليس هو بذنب، وإنما هو من عَجز الرأي، وضعفٍ في العقل، وقد نهيتُكم عنه، فقال له وْعة: أما والله لئن لم تَدع تحكيمَ الرجال لنُقاتلنَّك؛ ونطلب بذلك وجهَ الله ورضوانه، فقال له علي: بُؤسًا لك، ما أشقاك، كأني بك والله قتيلًا تَسْفي عليك الرياح، فقال له زُرعة: وَددتُ أن ذلك كان في ذات الله، فقال له علي: لو كنتَ محقًّا لكان في الموت تَعزِيةٌ عن الدنيا، وإنما الشيطان قد استهواكم.

فخرجوا من عنده وهم يقولون: لا حُكم إلا لله.


(١) كذا، وفي الطبري ٥/ ٦٦: معن بن يزيد بن الأخنس السلَمي. وقد ذكر في وقعة صفين ٢٠٠، والأخبار الطوال ١٧٠ في أصحاب معاوية: معن بن يزيد بن الأخنس السلمي.