للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان صاحبَ نابُلُس، وكان شجاعًا مِقْدامًا جَوَادًا، توفي ليلة الجمعة تاسع رمضان بدمشق، وبينه وبين وفاة تقي الدين ساعات، ففُجِعَ السُّلْطان بابنِ أخيه وابن أُخته في يومٍ واحد، ودفن بالتُّربة التي أنشأتها والدته بالعوينة بظاهر دمشق.

يحيى السُّهرَوَرْدِي المقتول بحلب (١)

كان يعاني علوم الأوائل والمنطق والسِّيمياء وأبواب النارنجيات، فاستمال بها خَلْقًا كثيرًا، وتبعوه، وله تصانيف في فنه، منها "الرقم القُدْسي" في تفسير القرآن على رأي الأوائل، و"اللمحات" في المنطق، و"لب البحث"، وَوَرَدَ إلى حلب، واجتمعَ بالملك الظَّاهر غازي، فأعجبه كلامه، فمال إليه، فكَتَبَ أهل حلب إلى السُّلْطان: أدرك ولدك وإلا تلف، فكتب السُّلْطان إلى الطاهر بإبعاده عنه، فلم يُبْعده، فكَتَبَ إليه: اجمعِ الفقهاء لمناظرته، فجمعهم وناظروه، فظَهَرَ عليهم بعبارته، فقالوا: إنَّك قلتَ في بعض تصانيفك: إنَّ الله قادر على أن يخلق نبيًّا، وهذا مستحيل، فقال لهم: فما وجه استحالته؟ فإنَّ القادر هو الَّذي لا يمتنع عليه شيءٌ. فتعصَّبوا عليه، فَحَبَسَه الظَّاهر، وجَرَتْ بسببه خطوبٌ وإشاعات، [وكان] (٢) دنيء الهِمَّة، زرِيّ الخِلْقة، دَنِسَ الثِّياب، وَسِخَ البَدَن، لا يغسل له ثوبًا ولا جِسْمًا، ولا يدًا من زُهومة، ولا يقصُّ ظُفُرًا ولا شَعْرًا، وكان القَمْل يتناثر على وَجْهه، ويسعى على ثيابه، وكل مَنْ رآه يهربُ منه، وهذه الأشياء تنافي الحكمة والعقل والشرع.

قال ابنُ شدَّاد: ولما بلغ السُّلْطانَ أمره أَمَرَ ولده الملك الظاهر بقَتْله، فلما كان يوم الجمعة بعد الصَّلاة سَلْخ ذي الحِجَّة أُخرج من الحبس ميتًا، ومما ينسب إليه من الشعْر: [من الكامل]

أبدًا تَحِنُّ إليكُمُ الأرواحُ … ووصالُكُمْ رَيحانُها والرَّاحُ


(١) هو يحيى بن حبش بن أميرك، له ترجمة في "معجم الأدباء": ١٩/ ٣١٤ - ٣٢٠، "وفيات الأعيان": ٦/ ٢٦٨ - ٢٧٤ و"طبقات الأطباء": ٦٤١ - ٦٤٦، و"سير أعلام النبلاء": ٢١/ ٢٠٧ - ٢١١، وفيه تتمة مصادر ترجمته.
(٢) ما بين حاصرتين زيادة من عندنا يقتضيها السياق.