فكتب إليه: قد عجبتُ لأمرك؛ أن تأمُرَني بقتال قومٍ كافِّين عنك، ومتى حاربتَهم ساعدوا عليك عدوَّك، فأطِعْني واكفُف عمْهم، فإن الرأيَ تركُهم، والسلام.
فلما أتاه هذا الكتاب قال له عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، ابعث محمد بن أبي بكر إلى مصر يَكفيك أمرَها، واعزل قيسًا؛ فقد بلغني أن قيسًا يقول: والله إن سلطانًا لا يقوم إلا بقتل مَسلمه بن مخلّد لسلطانُ سوء، والله ما أحبُّ أن مُلكَ الشام إلى مصر لي وأني قتلتُ ابنَ مخلّد، وكان عبد الله بن جعفر أخا محمد بن أبي بكر لأمّه، فولَّى محمدًا وعزل قيسًا.
ذكر قُدومِ محمد بن أبي بكر إلى مصر
فلما قدم محمد بن أبي بكر مصر قال له قيس بن سعد: ما بالُ أمير المؤمنين، ما غَيّره؟ أدخل أحدٌ بيني وبينه؟ قال: لا والله، وهذا السلطانُ سلطانُك، فقال له: والله لا أُقيم معك ساعةً واحدة، وغضب حين عُزل، وخرج مُقبلًا إلى المدينة فقدمها، فجاءه حسان بن ثابت شامِتًا به -وكان عثمانيًّا- فقال له: نَزعك عليّ بن أبي طالب، وقد قتلتَ عثمان، وبقي عليك الإثمُ، ولم يَحسن لك الشّكر، فقال له قيس: يا أعمى القلب والبصر، والله لولا أن أُلقي بين رهطي ورهطِك حربًا لضربتُ عُنُقك، اخرج عني.
ثم إن قيسًا خرج هو وسَهل بنُ حُنَيف، حتى قدما الكوفةَ على علي، فأخبره الخبر، فصدّقه على ما قال، قال: وشهد قيس وسهل معه صفين.
وفي رواية: لما قدم قيس بن سعد على علي استحيى من قيس وقال: والله ما أنت عندي بالمتَّهم، ولكني بلغني عن معاوية كذا وكذا، فارجع إلى عملك، فقال: لا والله، روحي دون روحك، وأخرج له كُتُب معاوية وقال: أَراد أن يَخدعَني، فلما يئس مني مَوَّه عليك، فقال: صدقتَ، وكان أحظى الناس عنده.
وهذه روايات هشام عن أبي مخنف، وقد ذكرها الطبري مُطوَّلة (١).