للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّفيسة، وبَنَوا له هيكلًا عظيمًا على حِدَةٍ، وزيّنوه بأنواع اليواقيت، وبَنَوه على هيئة الكواكب السَّبعة، وجعلوا له عيدًا يجتمعون إليه فيه مثلَ يوم وفاتِه، وصَوَّروا صورتَه وما شرعه في لوحٍ من ذهب، وجعلوه في أعلى الهيكل، وكتبوا اسمه وما فعل على أبواب المدن والدنانير والدراهم والفلوس وذلك بمدينة أنموا.

ولما مات اختلفت الآراءُ والنِّحل والممالك بعده، إلا أنهم مع اختلافهم لم يخرجوا عن قضية العقول في نَصْب القُضاة والعدل، والنظر في أمور الخواصِّ والعوام.

فروي أن بعض التجار قصد بعض ملوكهم بهدية، فأخذها منه بعض الخدم، ودَفَع له ثمنًا بَخْسًا وظلمه، فأحضر الملكُ التاجرَ وسأله، فقال: إنما قَصَدْتُ بالهديَّةِ الملكَ، فقطع عليَّ الخادمُ الطريقَ وظلمني، فدعا بالخادم، وقال له: ويلَك، عَمَدْت إلى رجل قَصَدنا، وخاطر بنفسه يُؤمِّلُ فَضلَنا، ثقةً بكرمنا وعدلنا، يرجو إحساننا، ففعلتَ في حقِّه ما فعلتَ، فما الذي أمَّنَك أن ينصرف عنا فيسيء الأُحدوثة والسيرة؟ أما والله لولا سابقُ خِدمتك لنَكَّلْتُ بك، ولكن قد جَعلتُ عقوبتك ولايةَ قبور الموتى لما عَجزت عن سياسة الأحياء، ثم أعطى التاجر أضعافَ ما كان يظنُّ وقرَّبه (١).

وأهلُ الصين قبائلُ وأفخاذ وشعوب مثل العرب، وَيعتنون بالأنساب، وربما انتسب الرجلُ منهم إلى خمسين أب حتى يصل إلى عامورا.

[واقعة جرت بالصين]

قال علماءُ السِّير: كان بالبصرة رجلٌ من ولد هبَّار بن الأسود، فلما دخل الزَّنْج البصرة، ركب البحر هاربًا منهم، فلم يزل ينتقلُ من بحر إلى بحر وبلدٍ إلى بلد حتى وصل إلى الصين، إلى مدينة يقال لها: خانقوا (٢)، وبلغ الملكَ خبرُه، فاستدعاه، وقال: مَن أنت؟ قال: أنا رجل من العرب، من ولد صاحبٍ لرسول الله . فقال له: كيف قهرتِ العربُ العجمَ مع ضعفهم وقوة العجم؟ فقال: إنما قهروهم بالله تعالى. فقال: لقد غلبت العربُ على أجلِّ الممالك وأوسعِها، وأعقلها رجالًا وأبعدِها صيتًا.


(١) ذكرها المسعودي في مروج الذهب ١/ ٣٠٧ - ٣١٢ بأطول مما هنا.
(٢) في مروج الذهب ١/ ٣١٣: خانفوا، قال القلقشندي في صبح الأعشى ٤/ ٤٨٣: بخاء معجمة وألف ونون وقاف ثم واو، وهي مدينة على النهر.