للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسُّلْطان الموكبيين وأرباب الدولتين بلقائه، فلم يتخلَّف عنه أحد، وأكرمه الخليفة والسلطان، وأقام ببغداد أيامًا، واعتذر بالفرنج، فَخَلَعَ عليه الخليفةُ والسُّلْطان، وكتبا له منشورًا بالشَّام، فعاد إلى دمشق، وقد تبدَّلَتْ تلك الوَحْشة أُنسًا. وقيل: إنما دَخَلَ بغداد سنة تسعٍ وخمس مئة (١).

وفيها تُوفِّي

الأَمير أحمديل (٢)

صاحبُ مَرَاغة، كان في خِدْمته خمسةُ آلاف فارس، وإقطاعه أربع مئة أَلْف دينار، وكان شجاعًا جَوَادًا، ولما قَدِمَ طُغْتِكين بغداد كان يحضُر كلَّ يومٍ إلى دار السُّلْطان مع الأمراء إلى الخِدْمة، فبينا هو جالسٌ ذاتَ يوم في الدار، وإلى جانبه أحمديل الرَّوَّادي (٣) تقدَّم رجلٌ ومعه قِصَّة، فسأل أحمديل إيصالها إلى السُّلْطان، فمدَّ يده ليأخذها، فضربه بسِكِّين، فأخذه أحمديل وتركه تحته، وجاء آخر فَضَرَبَ أحمديل، وقال: شاباش (٤). كأنَّه استحسن فِعْل الأَوَّل، وجاء ثالث وصاح: شاباش، وضَرَبَه، وقتِلُوا، وظَنَّ الحاضرون أَنَّ المُراد طُغْتِكِين، وكان أحمديل قد أنكى في الباطنية [فَقُتِلَ] (٥) وتفرَّق النّاس، وهذا إقدامٌ من الباطنية لم يُقدموا [على] (٥) مِثله في دار السُّلْطان،


(١) وهو ما ذكره ابن القلانسي، وسيأتي ص ٨٢ من هذا الجزء.
(٢) وهم سبط ابنُ الجوزي في ذكر وفاته في هذه السنة، وتابعه على ذلك ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة": ٥/ ٢٠٨، وابن العماد في "شذرات الذهب": ٤/ ٢١.
وذكر ابن القلانسي في "ذيل تاريخ دمشق": ٣١٥، وابن الجوزي في "المنتظم": ٩/ ١٨٥، وابن الأثير في "كامله": ١٠/ ٥١٦، وابن شاكر في "عيون التواريخ" (خ) ١٣/ ٣٢٥ - ٣٢٦ وفاته سنة (٥١٠ هـ)، وهو الصواب.
واختلف فيه قول الذهبي، فذكر وفاته سنة (٥٠٨ هـ) في "العبر": ٢/ ١٥، وفي "دول الإِسلام": ٢/ ٣٦، وذكره في "تاريخ الإِسلام" ١١/ ١٩ في سنة (٥٠٨ هـ) وقال: وقيل بعد ذلك، فليحرر، ثم أعاد ذكره في حوادث سنة (٥١٠ هـ)، وقال: الأصح أن أحمديل صاحب مراغة قتل في أول سنة عشر ببغداد بدار السلطنة. قلت: وهو ما اعتمده في "سير أعلام النبلاء": ١٩/ ٣٨٣.
(٣) ذكر السمعاني هذه النسبة في كتاب "الأنساب": ٦/ ١٧١، وقال: هذه النسبة إلى رواد، وهو اسم رجل من أجداد المنتسب إليه.
(٤) شاباش: كلمة فارسية معربة تقال في التهنئة والفرح. انظر "المعجم الذهبي": ٣٦٠ - ٣٦١، و"معجم عطية": ٩٢.
(٥) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).