فيها قتل السلطان بركياروق خلقًا من الباطنية تحقَّق مذهبهم، وكانوا ثلاث مئة ونيِّفًا، وكتب إلى الخليفة بالقبض على من يُتَّهم أنَّه منهم، فصار مَنْ في نفسه شيء من أحد نسبه إليهم فيُنهب، حتَّى حُسِمَ هذا الأمر.
وأول ما عُرِفَ من أحوال الباطنية في أيام ملك شاه أنهم اجتمعوا فصلُّوا العيد في ساوة، ففطن بهم الشِّحْنة، فأخذهم وحبسهم ثم أطلقهم، ثم سألوا مؤذنًا من أهل ساوة أن يدخل في مذهبهم، فامتنع، فخافوا أن يَنِمَّ عليهم فاغتالوه وقتلوه، ورُفِعَ ذلك إلى نظام الملك [وأخذ المتَّهم بقتل المؤذن -وكان نجارًا- فقتله، فقتلوا نظام الملك عِوَضَه، وهو أول مَنْ قتلوا، وكانوا يقولون: قتلتُم منَّا نجَّارًا، فقتلنا به نظام الملك](١).
ثم استفحل أمرهم بأصبهان لمَّا مات ملك شاه، فكانوا يسرقون الناس فيقتلونهم ويُلقونهم في الآبار، فكان الإنسان إذا دنا المساء ولم يعُدْ إلى منزله يئسوا منه.
وأجلسوا امرأة على حصير لا تبرح منه، فدخلوا الدار وأزالوها، فوجدوا تحت الحصير بئرًا فيها أربعون قتيلًا، فقتلوا المرأة، وهدموا الدار والمحلَّة.
وكانوا يُجلِسون رجلًا ضريرًا على باب الزُّقاق الَّذي فيه هذه الدار، فإذا مرَّ به إنسانٌ سأله أن يقوده خطواتٍ إلى الزُّقاق، فإذا فعل جذَبه مَنْ في الدار وأخذوه قهرًا فقتلوه، فجَدَّ أهلُ أصبهان فيهم، فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا.
وأول قلعة ملكها الباطنية قلعة في ناحية أصبهان يُقال لها: الرُّوذبار من نواحي الدَّيلم، وكانت هذه القلعة لقماج صاحب ملك شاه، وكان متهمًا بمذهبهم، فلمَّا مات ملك شاه أعطوه ألفًا ومئتي دينار فسلَّمها إليهم سنة ثلاث وثمانين وأربع مئة. وقيل: لم يكن ملك شاه مات، وكان مُقدِّمها يقال له: الحسن بن الصبَّاح، وأصلُه من مرو، وكان كاتبًا للرئيس عبد الرزاق بن بَهْرام إذ كان صبيًّا، ثم سار إلى مصر وتلقَّى من
(١) ما بين حاصرتين من (ب)، وتاريخ الإسلام ١٠/ ٦٧٤، وبنحوه في المنتظم ١٧/ ٦٣.