للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولون: من هو أميرُ المؤمنين؟ ولا يعرفونه، فقصر داودُ دون أبي العباس، فعرف الناسُ أنه الخليفة، وأبو الجهم وأبو حُمَيد يمشيان بين يديه، وأبو سلَمة خلفَه على فرس (١).

وبُويع ليلةَ الجمعة لثلاث عشرة مضت من ربيع الأول، سنة اثنتين وثلاثين. وقيل: يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر. وقيل: في نصف جمادى الآخرة. وقال هشام: ظهَرَ يوم الأربعاء ويوم الخميس، وصلى بالناس الجمعة، وأولُ من بايعه موسى بنُ كعب التميميُّ الذي ألجمه أسد بنُ عبد الله بلجام حمار، وجذبه فكسر أسنانَه.

وقال خليفة: بُويع بالكوفة في دار الوليد بن سَعْد مولى هاشم في بني أَوْد.

وقال المغيرة: رأيتُ أبا العباس حين خرج إلى الجمعة على بِرْذَون أشهب بين عمِّه داود بن علي وأخيه أبي جعفر شابًّا جميلا، تعلوه صفرةٌ، دخل المسجد فَصَعِدَ المنبر، وصَعِدَ داود فوقف على عتبتين من المنبر، فحمد داودُ اللهَ وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس والله ما علا منبرَكم هذا خليفةٌ بعد علي بن أبي طالب غير ابن أخي هذا. قال: ثم إني رأيتُه الجمعةَ الأخرى كأنَّ وجهه ترسٌ، وعنقَه إبريق فضة، وقد ذهبت الصُّفرة (٢).

[ذكر خطبة أبي العباس]

قال: الحمدُ لله الذي اصطفى الإسلامَ لنفسه دينًا، وارتضاه وأيَّده بنا، وجعلنا أهلَه وحِصْنَه، والقوَّام به، والذابِّين عنه، والناصرين له، وألزَمَنا كلمةَ التقوى وجعلنَا أحقَّ بها وأهلَها، وخصَّنا برسول الله وقرابته، وأنبتَنا من شجرته، واشتقَّنا من نبعته (٣)؛ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] وأحلَّنا من الإسلام بالمنزل الرفيع، وخصَّنا بالتقديس والتطهير، فقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ﴾ [الأحزاب: ٣٣] وقال: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي﴾ [الشورى: ٢٣] فاللهُ فضَّلَنا، وأوجَبَ على الناس حقَّنا ومودَّتَنا.


(١) أنساب الأشراف ٣/ ١٥٦ - ١٥٧.
(٢) تاريخ خليفة بن خياط ص ٤٠٩ - ٤١٠.
(٣) النَّبْع: واحدته نَبْعة، وهو شجر تتخذ منه القِسِي. اللسان: (نبع).