للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرِّجال والطُّيور، فكان الفرنج إذا خرجوا أطلق الرِّجالُ الطيورَ، فيخرج بنفسه فيسبق الفرنج إِلَى المخاضة، فيقتل ويأسر، ويردُّ القافلة، وما أخذوا منها [شيئًا] (١)، وكذا كان يفعل بالعرب من ناحية البرية، ويركب بنفسه ويقاتل، ولم يزل كذلك إِلَى أن تُوفِّي [وكانت بلاده طاهرة من الخمور والخواطئ والمكوس، فكانت تعبر على بلده قوافل الدنيا، فلا يتعرض لها، وكان بنو أَيُّوب يخافونه، لأن كان يرى أنَّه أحق بالملك منهم لأجل جده أسد الدين، وفتحه مصر. وكان الكامل قد استوحش منه، واتهمه بأنه هو الذي أوقع بينه وبين الأشرف، فلما ملك الكامل دمشق، ونزل جوسق أَبيه اجتمعنا، فقال لي: ما أفسد أحوالنا إلَّا صاحب حمص، ووالله لأمحونَّ آثاره. فقلت: ابن عم وقريب، وهو خير من الغريب. وطلب منه مالًا عظيمًا، فبعث أسد الدِّين نساءه إِلَى دمشق، يسألن الكامل فيه، فما أجاب، وقال: لا بد من المال. وأيقن أسد الدين بوزن المال، فحكى لي جماعة أنَّه كان فِي قلعة حمص قاعدًا يزن المال، ويعبيه في الأكياس، وإذا بطاقة من دمشق قد وصلت على جناح طائر، فأخذها البراج، ودخل بها يقرؤها، وفيها وفاة الكامل، فردَّ المال إِلَى الخزائن، وجاء بعد ذلك إِلَى دمشق، وجلس عند قبر الكامل، وتصرف فِي أمواله وخيله ودولته.

وكان أسد الدين ديِّنًا، عاقلًا، يعاشر العلماء والفقهاء، جوادًا، متصدِّقًا، قالوا: إلَّا أنَّه كان إذا حبس إنسانًا أقام مدة محبوسًا، وكان قد منع النساء أن يخرجن من باب حمص أيام ولايته، وكانت وفاته، (١) بحمص يوم الثُّلاثاء العشرين من رجب، ودفن بها.

يعقوب الخياط (٢)

كان يسكن مغارة الجوع بقاسيون، وكان شيخًا صالحًا، لقي المشايخ، وعاشر الرِّجال، وعادل خُضْر بن صلاح الدين لما سافر إِلَى الحج، ورَدُّوه من الصَّفراء إِلَى دمشق، ورجع يعقوب [معه] (١)، ولم يَحُجَّ.


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) له ترجمة فِي "النجوم الزاهرة": ٦/ ٣١٦.