وقال مقاتل: وكان في قومه بقايا من قوم عاد على طولهم وهيئتهم، وكان لهم صنم من حديد يدخل فيه الشيطان في السنة مرَّة واحدة ويكلمهم، وكان أبو صالح سادنه، فغار لله وهمَّ بكسره، فناداهم الصنم: اقتلوا كانوا، فقتلوه ورموه في مغار، فبكت عليه امرأته مدَّة فجاءها ملك فقال: إن زوجك في المغار الفلاني، فجاءت إليه وهو ميت، فأحياه الله تعالى، فقام إليها فوطئها في الحال، فعلقت بصالح من ساعتها وعاد كاثوا ميِّتًا. وشبَّ صالح فبعثه الله إلى قومه، ذكره مقاتل بن سليمان في "المبتدأ" له.
واختلفوا متى بعث على قولين:
أحدهما: حين راهق الحلم، قاله وهب. والثاني: لما تمَّ له أربعون سنة، قاله ابن عباس.
قال علماء السّير: فلمَّا تجبَّروا وطغوا وكفروا بعث الله إليهم صالحَّا فَدعاهم إلى الله تعالى فقال: ﴿يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ﴾ أي: ابتدأ خلقكم ﴿مِنَ الْأَرْضِ﴾ لأنَّ آدم خلق منها وهم منه ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: ٦١] أطال أعماركم.
وقال ابن قتيبة: وكان صالح تاجرًا (١).
[قصة الناقة]
روى الوالِبيُّ عن ابن عباس قال: لما دعاهم صالح إلى الله تعالى اقترحوا عليه ناقة لأنهم كانوا أصحاب إبل، وكانت النوق عندهم عزيزة، فطلبوا منه الدَّلالة من حيث ما هم عليه ثمَّ تنطعوا، فقالوا: لتكن سوداء حالكة، عُشَراء ذات عرف وناصية ووبر. فسأل الله فأوحى الله إليه: اخرج بهم إلى فضاءٍ من الأرض، فخرجوا، فقال: من أين تريدونها؟ فأشاروا إلى صخرة وقالوا: من هذه، فأشار إليها صالح وقال: اخرجي بإذن الله، فتمخَّضت تمخض الحامل وانفجرت عن ناقة كما طلبوا، ثم تلاها من الصخرة فصيلٌ لها، فآمن خلق ممَّن حضر، منهم ملكهم جَندع بن عمرو. ثم قال لهم صالح: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٧٣] من الكلأ، ليس عليكم مؤونتها ولا علفها -وتأكلْ مجزوم بجواب الشرط المقدَّر، والمعنى: إن
(١) "المعارف" ص ٣٠، ومن هنا وقع خرم في (ب) ينتهي في أسماء إبراهيم.