للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن محمد (١)

ابن محمد بن جَهير، الوزير، عميد الدولة، شرف الدين، كان حسنَ التدبير، كافيًا في المهامِّ، شجاعًا، جوادًا، حليمًا، لم يعجل على أحدٍ بمكروه، وسمع الحديث على الشيوخ، وكان كثير الصدقات، واسعَ المعروف، يجيز العلماء والشعراء، ويحسن إليهم، وخدم ثلاثة خلفاء؛ القائم، ولمَّا احتضر أوصى به المقتدي، ووَزَر للمقتدي سنة اثنتين وسبعين، فبقي فيها خمس سنين، ثم عُزِل بالوزير أبي شجاع، ثم عاد بعد عزل أبي شجاع سنة أربع وثمانين، فلم يزل إلى أن مات المقتدي، وولي المستظهر، فدبر أمور الخلافة ثمانَ سنين وأحد عشر شهرًا وأربعة أيام، وكان سيِّدَ الولاة؛ لبرِّ كان فيه، وكانت كلماتُه معدودة، كلَّم يومًا لولد أبي نصر بن الصباغ فقال: اشتَغِلْ وادأبْ وإلَّا كنتَ صبَّاغًا بغير أب. فلمَّا قام من مجلسه أتى النَّاسُ ابنَ الصباغ فهنَّوه حيث كلَّمه، وله ترسُّلٌ بديع، وتوقيعاتٌ وجيزة، وأشعارٌ رقيقة، وقرأ الفقه وأنواع العلوم، وكانت له سياسةٌ ورياسةٌ وهيبة، وكان ممدَّحًا، فيقال: إنه مُدِحَ بمئة ألف بيت من الشعر.

وقال العماد: مدحهُ عشرةُ آلاف شاعر، ومن مُدَّاحه: مسعود بن العلاء، المعروف بابن الخباز، ومن مدحه فيه: [من البسيط]

وماءُ دجلةَ أو ماءُ الفراتِ على … العِلَّاتِ أعذبُ لي من ماءِ يَبْرينِ (٢)

كم بين ماءٍ تظلُّ الأُسْدُ شارعةً … منهُ وتسكنُهُ عيسُ السَّراحينِ (٣)

مستوحشٍ في القِفارِ البيدِ منفردٍ … لا يعرفُ الأَمنَ إلَّا في الأحايينِ

وبين ماءٍ كماءِ الوردِ مُطَّرِدٌ … تحتَ القصورِ وروضاتِ البساتينِ

عذبٌ إذا عَبثَتْ أيدي النسيمِ بهِ … تَنَزَّهَتْ فيه أقمارُ الرواشينِ (٤)

والفُلكُ تقطعهُ عرضًا وتخرِقُهُ … طولًا وتنقضُّ فيه كالشَّواهينِ


(١) المنتظم ١٧/ ٥٩ - ٦٠. وتنظر بقية المصادر في السير ١٩/ ١٧٥.
(٢) يَبْرين: قرية ذات تحل وعيون عذبة بحذاء الأحساء في ديار بني سعد. تاج العروس (بري).
(٣) عيس الشَّراحين: الكريم من الذئاب. المعجم الوسيط (عيسى) و (سرح).
(٤) الرواشن؛ جمع روشن: وهو الرفّ والكوَّة والشرفة. المعجم الوسيط (رشن)