للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر الغنائم]

جُمع في ذلك اليوم من الأموال والغنائم ما لا يُحصى، وجدوا في خزائن رستم ست مئة ألف ألف دينار، ومن الجواهر واليواقيت مثلها، ومن الخيل والبغال والخيام والثياب والأثاث والأمتعة والأسلحة ما عجزوا عن إحصائه، ووجدوا حِملًا من الكافور، فظنّوه ملحًا، فطُبخ منه في القدور فتمَرمر الطعام، فقالوا: هذا مِلحٌ مُرّ، كذا يكون ملح هذه البلاد؟ فباع واحد جرابًا من الكافور بدرهمين، وكان هلال قد أخذ سَلَب رُستم ومِنطَقَته وسلاحَه، وكانت قيمتُه خمس مئة ألف دينار، وقتل زهرة بن الحويّة الجالينوس وأخذ سلَبه، وكان دون سَلَب رستم، فاستكثر سعد السَّلَبين، فكتب إلى عمر بالفتح، وبعث إليه بالغنائم، وأخبره بالسلبين، فكتب إليه: قال : "من قتل قتيلًا فله سلَبه" (١)، فادفع إلى القاتلين أسلابَ المقتولين، ففعل سعد.

وكانت هذه الوقعة في هذه السنة، وقيل: سنة خمس عشرة، وقيل: سنة ست عشرة، والأول أظهر.

ولما انهزمت الفرس إلى المدائن بعث سعد إلى يَزدجرد جماعةً يدعونه إلى الإِسلام، فيهم النعمان بن مُقَرِّن، والمغيرة بن زرارة الأسدي، وعاصم بن عمرو، فجمع كسرى مرازبته وأهلَ مملكته، وأدخلهم عليه فقال لترجمانه: قل له: ما الذي دعاكم إلى التَّعرُّضِ لبلادنا؟ فقال له النعمان: إن اللَّه أرسل إلينا رسولًا يَدلُّنا على الخير، ويأمرنا أن ندعوَ الناس إلى التوحيد والإنصاف، ونحن ندعوكم إلى ديننا، فإن أبيت وإلا فالمناجزة، فقال يزدجرد: إني لا أعلم في الأرض أُمّةً أشقى منكم، فقال المغيرة بن زرارة: فاختر إن شئتَ الجزية عن يدٍ وأنت صاغر، وإن شئت الإِسلام، وإلا فالسيف، فقال: أتستَقْبلُني بمثل هذا؟ فقال: ما استقبلتُ إلا مَن كلّمني، فقال: لولا أن الرُّسل لا تُقتل لقتلتُك، فقال: هو ما سمعت، فقال: ائتوني بوِقْر من تراب، واحملوه على أشرافهم، ثم سوقوه حتى تَخرجوا به من المدائن، فنظروا، فإذا عاصم ابن عمرو، فحَمَّلوه التراب، وقال: لا شيءَ لكم عندي، لأبعثنَّ إليكم مَن يَدفِنُكم في


(١) أخرجه أحمد (٢٢٦٠٧)، والبخاري (٣١٤٢)، ومسلم (١٧٥١) من حديث أبي قتادة .