للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تسألِ الناسَ عن مالي وعن حَسبي … وسائلِ القومَ عن شَأني وعن خُلُقي

القوم تَعلمُ أني من سَراتِهم … إذا تَطيشُ يَدُ الرِّعديدةِ الفَرِقِ

قد أركب الهولَ مَسدولًا عَساكِرُه … وأكتُمُ السِّرَّ فيه ضَربةُ العُنُقِ

أُعطي السِّنانَ غداةَ الرَّوعِ حصَّتَه … وعاملُ الرُّمحِ أروِيهِ من العَلَقِ

فقال معاوية: رحم اللَّه أبا مِحجن، هو واللَّه كما وَصفَ نفسَه، ثم ذكر فِعلَه يومَ القادسية (١).

وقال رجل يوم القادسية وسعد على سطح القصر: [من الطويل]:

نُقاتلُ حتى أنزل اللَّه نصرَه … وسعدٌ بقصر القادسيَّةِ مُعصِمُ

فأُبنا وقد آمَت نساءٌ كثيرةٌ … ونسوةُ سعدٍ ليس فيهن أيِّمُ

وبلغ سعدًا، فخرج إلى الناس، فأراهم ما به من الحبون والقروح، وقال: اللهمَّ إن كان قَصد الرِّياء فاقطع لسانَه، فبينا الرجل واقِفٌ في الصفِّ، جاء سهمٌ فشقَّ لسانَه، فوقع ميتًا (٢).

اليوم الرابع، وهو آخر أيام القادسية، قال هشام: اقتتلوا إلى الظهر، فهَّبت ريحٌ عاصف، فسَفَتِ التُّرابَ على الفُرس، وقطعت طيارة رُسْتم، فألقتها في العَتيق، وقَدمت في تلك الساعة من المدائن بغالٌ عليها مالٌ، وقام رستم عن سريره لما وقعت الطَّيّارة، فاستظلَّ بظل بغل منها، وحمل القعقاع وهلال بن علقمة (٣) والأشعث بن قيس وعمرو بن معدي كرب على الفُرس، وتبعهم الأمراء، وبادر هلال بن علقمة إلى البغال، فضرب الحِمْل الذي تحته رستم فقطعه، ووقع أحد العِدلَين على رستم، فأزال فقارًا من ظهره، فهرب إلى القنطرة، فتبعه هلال فقتله، وجرَّ برجله فألقاه في العتيق، وصعد على سريره وصاح: قتلتُ رُستم وربِّ الكعبة، إليّ إلي، فاجتمع إليه المسلمون، وهربت الفُرس، وتهافتوا في العتيق، فقُتل منهم في ذلك اليوم ثلاثون ألفًا، وفي غيره من الأيام ثمانون ألفًا، وقُتل من المسلمين ستة آلاف، وقيل ثمانية آلاف، وأمر سعد بدفن الشهداء في مواضعهم.


(١) الشعر والشعراء ٤٢٤، والأغاني ١٩/ ١٠ - ١١، والاستيعاب (٣١٥٦).
(٢) تاريخ الطبري ٤/ ٥٧٦ و ٥٧٩ - ٥٨٠، والبدء والتاريخ ٥/ ١٧٦.
(٣) في الطبري ٤/ ٥٦٤: هلال بن عُلفة.