للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمات من ذلك، فالحيَّةُ والأسَد شيءٌ واحد، وعلى الأجنبي ثلث الدِّية (١)؛ لأن جِراحة الأسَدِ والحيَّةِ بمَنْزِلَةِ جراحةٍ واحدة؛ لأن كليهما يَرجعان إلى حُكم الإهدار، فقد تَلِفَتْ نفسُه بثلاث جِراحات: جِراحة نفسه، وجِراحة الأسد، وجِراحة الحيَّة، وقد ذكرنا أنهما هدر، بقي فعل الأجنبي فيجب فيه ثُلثُ الدِّيَة، وما يتعلّق بهذا وبالديات ذكرناه في "شرح الجامع الصغير".

ذكر ما جرى للبُرَك مع معاوية

قال علماء السير: قعد في تلك الليلة التي ضُرب فيها أمير المؤمنين لمعاوية، فلما خرج ليُصَلّي بالناس الفجر وَثب عليه بالسيف، فضربه فوقع في أَلْيته وفاته، فأُخِذ، فجيء به إلى معاوية فقال: وَيحك، ما الذي حَمَلك على هذا؟ فقال: إن لك عندي خبرًا أَسُرُّك به، فإن أخبرتُك فنافعي هو عندك؟ قال: وما هو؟ قال: إن أخًا لي قتل عليًّا في هذه الليلة، قال: فلعلّه لم يَقدِرْ عليه؟ قال: بلى، إن عليًّا ليس معه مَن يَحرُسُه، فأمر به فقُطعت يداه ورجلاه، ثم ضرب عُنُقَه، واتَّخذ معاوية المقصورة في جامع دمشق، وهو أوّل مَن اتَّخذها، وأقام الحرس.

ثم أحضر معاوية الساعدي وكان طبيبًا حاذِقًا فقال: داوني، فقال: اختر إحدى خَصلتين: إما أن أحمِيَ حديدةً فأضعها موضعَ اليسف، وإما أن أسقيَك شَربةً تقطع عنك الولد وتبرأ منها؛ فإن ضَرْبتَك مَسمومة؟ فقال معاوية: أما النار فلا صبرَ لي عليها، وأما انقطاعُ الولد ففي يزيد وعبد الله ما تَقَرُّ به عيني، فسقاه تلك الشربة فبَرِئ، وانقطع نَسْلُه، وكان إذا سجد أقام الحرس على رأسه.

وقال البلاذري (٢): لم يقتل معاوية البُرَك، وإنما قطع يديه ورجليه -أو يده ورجله- ثم أطلقه، فصار إلى البَصرة ووُلِدَ له في زمان زياد بن أبيه، فأخذه زياد وقال له


(١) الجامع الصغير ٤٠٤.
(٢) في أنساب الأشراف ٢/ ٣٥١.