للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستوطن بغداد، وكان مختصًا بصحبة أبي علي بن حزم الظاهري، وحمل عنه أكثر كتبه، وقال: أصلُ أبي من قرطبة من محلة يقال لها: الرُّصافة، وسكن الجزيرة -يعني الأندلس- وصنَّف فأحسن التصنيف، وجمع بين الصحيحين، وكان حافظًا ثبتًا متقنًا، وبلغ من حرصه على جمع العلم أنَّه كان يكتب فِي الليل فِي حرِّ بغداد، ويجلس فِي إِجَّانَةٍ (١) يتبرَّد بالماء، وينسخ وهو على تلك الحالة.

وكانت وفاته ببغداد فِي ذي الحجة سابع عشرة، وصلَّى عليه أبو بكر الشاشي فِي جامع الخليفة، وكان قد أوصى إِلَى الأجلِّ مظفر بن رئيس الرؤساء أن يدفنه عند بشر الحافي، فخالف وصيَّته، ودُفِنَ بباب أَبْرز، فرآه فِي المنام وهو يعاتبه ويقول: خالفتَ وصيتي؟! فنقله فِي صفر سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، فدفنه فِي دكة بشر الحافي قريبًا منه.

وقال ابن ماكولا: صديقنا أبو عبد الله الحميدي من أهل العلم والفضل، ورد بغداد وسمع أصحاب الدارقطني وابن شاهين وغيرهم، وسمع منه خلق كثير، وصنَّف "تاريخ الأندلس"، ولم أرَ مثلَه فِي عفَّته ونزاهته وورعه وتشاغله بالعلم.

وقال ابن عساكر: وقف كتبه ببغداد على طلحة العلم، فنفع الله بها، وكان حافظًا ديِّنًا عفيفًا نزهًا، ومن شعره: [من الوافر]

طريقُ الزُّهدِ أفضَلُ ما طريقِ … وتقوى اللهِ تأديةُ الحقوقِ

فلا يَغْرُركَ من يُدعى صديقًا … فما فِي الأرضِ أعوَزُ من صديقِ

سألنا عن حقيقتِهِ قديمًا … فقال سألتَ عن بيضِ الأنُوقِ

فثِق بالله يَكْفِكَ واستَعِنْهُ … يُعِنْكَ ودَعْ بنيَّاتِ الطريقِ

محمَّد بن المظفر بن بَكْران (٢)

القاضي، الشَّاميّ، منسوب إِلَى الشَّام، ولد بحماة سنة أربع مئة، وحجَّ سنة سبع عشرة، وتفقه ببلده بعد حجِّه، ثم قدم بغداد فتفقَّه على أبي الطيب الطبري، وسمع الحديث، وشهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله الدامَغاني سنة اثنتين وخمسين، وناب عنه فِي القضاء،


(١) فِي (خ): إجامه، والمثب من تاريخ دمشق، والإجانة: إناء كبير يُغسَل فيه الثياب.
(٢) المنتظم ١٧/ ٢٧ - ٢٩، والأنساب ٤/ ٢٢٩، والكامل ١٠/ ٢٥٣. وتنظر بقية المصادر فِي السير ١٩/ ٨٥.