للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان تربيةَ أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وجارَه الأدنى، وفي حجره من حين ولد إلى حين توفِّي أبو بكر، وهو ابن ثلاث (١) وعشرين سنة (٢). وكان أبو بكر إذا تخلَّف عن مجالس السلاطين بعث به نائبًا عنه، وكان يُقدِّمه على جميع أولاده، ويقرأ له وحده ما لا يقرأه لغيره، [وكان يحكي أبا بكر في وضوئه وصلاته]. وقال محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري: لقد صَحِبتُه قريبًا من ثلاثين سنة في الحضر والسفر، والحرِّ والبرد، فما رأيتُه ترك صلاة الليل، وكان يقرأ كلَّ ليلة سُبعًا من القرآن، وكانت صدقتُه دائمةً (٣) في السرِّ والعلانية. ولمَّا وقع الاستنفار لِطَرَسُوس دخلتُ عليه وهو يبكي ويقول: قد دخل الطاغيةُ ثَغْرَ المسلمين طَرَسُوس، وليس في الخزانة ذهبٌ ولا فضة، ثم باع ضيعتين نفيستين من أجلِّ ضياعِه بخمسين ألف درهم، وأخرج عشرة من الغُزاةِ المُطوَّعةِ الأجلاد، بدلًا عن نفسه. وسمعته يقول غيرَ مرَّةٍ: اللهمَّ إنك تعلم أني لا أدَّخِرُ ما أدَّخِرُه، ولا أقتني هذه الضياع إلا لأستغني عن خلقِكَ، والإحسان إلى أهل السِّتر (٤) والفقراء.

وكان مُمَوَّلًا (٥)، كثيرَ الصدقات، وكانت وفاته بنيسابور في ربيع الآخر، وصلَّى عليه أبو أحمد الحافظ، وروى عنه البُرقاني وغيره]، وكان ثقةً جليلًا، حجةً مأمونًا.

محمد بن عبد الله (٦)

ابن محمد، أبو بكر التَّميمي، الأبْهَري، الفقيه المالكي، ولد سنة تسع وثمانين ومئتين، وصنَّف التصانيف الحِسان في مذهب مالك، وانتهت إليه رياسة أصحاب مالك، وكان مُعظَّمًا في الدولة وبين علماء وقته، لا يحضر مكانًا إلا وهو المُقدَّم على من شَهده، وكان ابنُ أمِّ شيبان إذا جلس أقعده عن يمينه، والخلق كلُّهم من القضاة


(١) بعدها في (م ١) وحدها زيادة: وثلاثين سنة، وقيل وهذه الزيادة ليست في بقية النسخ، ولا هي في تاريخ بغداد.
(٢) بعدها في (م ١) وحدها زيادة: وهو أظهر.
(٣) في جميع النسخ سوى (م): دائمًا، والمثبت منها، موافقة لما في تاريخ بغداد، والأنساب للسمعاني ٣/ ٤٨٢، وغيرهما من المصادر.
(٤) المثبت من (م)، وفي باقي النسخ السير، والذي في تاريخ بغداد: والإحسان إلى أهل السنة والمستورين!
(٥) أي: ذو مال كثير.
(٦) تاريخ بغداد ٥/ ٤٦٢، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٢٤/ ١٢ (طبعة دار الفكر).