مخالطة الأعاجم، فورد من نظام الملك إلى الخليفة كتابٌ بتبعيد أبي شجاع عن بغداد وإقصائه، فاقتضى ذلك إنفاذُه إليه لإزالة ما في نفسه.
وفي ذي الحجة تُوفِّي داود بن السلطان باصبهان، وسنذكره إن شاء الله تعالى.
وفي يوم السبت لثلاثٍ بَقِين منه رفع صاحب خبر إلى السلطان بأنَّ بهمنيار كاتب خُمارتِكين الشرابي جلس عند موت داود، وتشاغل بالشرب والغناء، ومعه جعفرك، وكان السلطانُ قد سلَّم إليه ولدَه أحمد يُربِّيه، وأن جعفرك أخذ القدح وشربه، وقال: سار ملَك الموت حيث أخذ داود ولم يأخذ أحمد. وكان السلطان قد حزن على داود حُزنًا لم يحزَنْه والد على ولد، فشقَّ ذلك عليه، وبعث في الحال وكبس دار ابنِ بهمنيار، فوجد فيها الدليلَ على ما حكي عنه، فأحضر المُغنِّيات والمُغَنِّين فشهدوا بذلك، فشَقَّ لسانَ جعفرك ثلاثَ قِطَعٍ، وقتله، وكحلَ ابنَ بهمنيار دفعات حتَّى عمي، وكُفيَ نظامُ الملك أمره بعد أن كان قد أشفى على التلف، وكان بهمنيار قد تقدم عند السلطان بقدر ما زاد على نظام الملك، فكان إذا أحضر إليه ما يأكل ويشرب يقول السلطان لمن بحضرته: كُلْ منه واشرَبْ، فإنَّ هذا الرجل قد صار له أعداءٌ كثيرون منذ قَرُبَ منا، فيجب أن نحرسَ نفسه ونُلاحِظَ أمره.
وفيها توفِّي
[داود بن السلطان ملك شاه]
في يوم الخميس حادي عشر ذي الحجة بأصبهان، ولَحِقَ والدَه عليه ما زاد عن المعهود، وفعل في مُصابه ما لم يُسمَعْ به، ورام قتل نفسه دفعات، ولازمه أصحابُه وخواصُّه لمنعه من ذلك، ولم يُمكِّنْ من أخذِه وغسله؛ لقلة صبره على فراقه، حتَّى تغيَّر وكادت رائحتُه تظهر، فحينئذ مكَّن منه، وامتنع عن الطعام والشراب، وسلَّم إلى الهلَعِ زمانَه، وأعطى الجزَعَ قيادَه، ونزع عن الصبر أثوابَه، وأغلق دون السُّلُوِّ أبوابه، واجتمع الأتراك والتركمان في دار المملكة فجزُّوا شعورَهم، واقتدى بهم نساء الحواشي والحشم والأتباع والخدم، وجُزَّت نواصي الخيول، وقُلِبتِ السروج، وأُقيمت الخيولُ مُسَوَّدات، وكذا النساء المذكورات، وأقام أهلُ البلد المآتم في منازلهم وأسواقهم،