وقال مجاهد: لما أكل منها لعبت معدته فقال له جبريل: أما تستحيي، أين تضع هذا على السُّرر أو على الفرش أو على شواطئ أنهار الجنَّة من رياض المسك والعنبر والكافور والزّعفران؟ ولكن انزلْ إلى دار يصلح أن يكون فيها هذا. قال: وهذا معنى قول علي ﵇: الدنيا كنيف يملأ.
وقال النَّضر بن شُميل: إنما أكل آدم من الشجرة لأنه مُنع عنها، والآدميُّ حريص على ما مُنعَ منه.
وقد ذكرها في التوراة فقال: ونصب الله تعالى شجرة الخير والشرِّ، أو شجرة الحياة، وسط الجنَّة، وقال: يا آدم كُلْ ما شئت إلّا منها، فإنك تموت يوم تأكل منها.
وقال الحسن: لم يكن له بدٌّ أن يأكل منها لأنَّه خلق للمقام في الأرض.
فصل في احتيال إبليس على دخول الجنَّة
قال الله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنْهَا﴾ [البقرة: ٣٦] قال ابن عباس: أي: حملهما على الزَّلَّة. وقرأ الأعمش: فأَزالهما (١)، أي: نحَّاهما عن الطَّاعة والجنَّة، فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم.
واختلفوا في كيفية دخوله إلى الجنَّة:
قال الحسن البصري: وقف على باب الجنة وناداهما لأنه كان ممنوعًا من دخولها بقوله: ﴿اخْرُجْ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٨].
وقال ابن عباس: إنما احتال بطريق الحيَّة وكانت من أحسن الدوابِّ، ولها جناحان كجناحي الطَّاووس، ولون جلدها لون السُّندس والإستبرق، وكانت من خُزَّان الجنَّة تدخل إليها وتخرج، وكانت صديقًا لإبليس، فخرجت ذات يوم فتعرَّض لها وخدعها وقال لها: قد اشتقت إلى الجنَّة، فقالت: أنت مطرود عن الجنَّة، فكيف
(١) وهي قراءة حمزة بألف بعد زاي ولام مخففة. انظر "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ١٤، و"إتحاف فضلاء البشر" ص ١٧٦.