وفيها: جهز رسول الله ﷺ أسامة بن زيد إلى الشام (١).
ولم يزل رسول الله ﷺ يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه، وكان قد وجد عليهم وجدًا شديدًا، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد يوم الثلاثاء دعا أسامة بن زيد، فقال له:"يا أُسامةُ، سِرْ على اسمِ اللهِ وبركَتِه حتى تَنتهي إلى مَقتلِ أبيكَ، فأَوطئهم الخيلَ، فقد ولَّيتُك هذا الجيشَ، فاغزُ صباحًا على أهل أُبْنَى وحرَّق، وأَسرع السَّير تسبق الخيرَ، وخُذ معكَ الأدلَّاء، وقدِّم الطلائعَ أمامَكَ والعيونَ"، فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، بُدئ برسول الله ﷺ المرضُ، فصُدع، وحُمَّ، فلما أصبح يوم الخميس دعى أسامَة، فعقد له لواءً بيده، ثم قال:"يا أسامةُ، اغزُ بسمِ الله في سبيلِ الله، قاتلوا مَن كفَرَ باللهِ، ولا تَغدِروا، ولا تميلوا، ولا تَقتُلوا وَلِيدًا ولا امرأةً، ولا تتمنَّوا لقاءَ العدوِّ، فإنكم لا تدرونَ لعلكم تُبتلون بهم، ولكنْ قولوا: اللهمَّ اكففْ بأسهم عنَّا، فإن لَقُوكم وأَجْلَبوا فعليكم بالسَّكينةِ والوَقارِ والصَّمتِ، ولا تَنازَعوا فتَفشَلوا وتذهَبَ ريحُكُم، واعلموا أنَّ الجنَّة تحت البارقةِ" فخرج، فعسكر بالجُرْف، وكانوا ثلاثة آلاف من أعيان المهاجرين والأنصار فيهم: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد ﵃، وقتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم وغيرهم.
فقال رجال من المهاجرين منهم عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين، وكثرت المقالةُ في ذلك، فجاء عمر رضوان الله عليه فأخبر رسول الله ﷺ فغضب غضبًا شديدًا، وخرج وقد عصَب رأسَه بعصابة، وعليه قَطِيفةٌ، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أمَّا بعد، فما مَقالةٌ بَلَغتني عنكم، أو عن بعضِكُم في تَأْمِيري أُسامةَ؟ واللهِ لئن طعنتُم في إمارتِه لقد طَعَنتُم في إمارَةِ أبيهِ من