للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهما بلال وهو في غَنَم لعبد اللَّه بن جُدْعان، وكان له بمكة مئةُ عبدٍ من مُوَلّديها، فلما بُعث رسول اللَّه أخرجهم ابن جُدْعان من مكة خوفًا عليهم، إلا بلالًا فإنه كان يرعى عليه غنمه تلك، فأطلع رسول اللَّه رأسَه من الغار، فقال: يا راعي، هل من لَبَن؟! فقال: مالي فيها إلا شاة منها قُوتي، فإن شئتُما آثرتُكما اليوم بلَبنها، فقال: ائت بها، فجاء بها فاعتَقَلها رسول اللَّه ، وحَلَب في القعب، وشرب هو وأبو بكر ، ثم سقى بلالًا ، وأرسلها وهي أَحفَلُ مما كانت، فقال: يا غُلام، هل لك في الإِسلام؟ وقرأ عليه القرآن فأسلم، فقالا: اكتُم إسلامَك.

وانصرف بغَنَمه وقد أَضْعفَ لبنُها، فقال له أهله: لقد رعيتَ اليوم مَرعى طَيِّبًا فعليك به، فعاد إليهما ثلاثةَ أيام يسقيهما اللبن، ويَتعلّم الإِسلام.

ودخل رسول اللَّه مكة، فاختفى في دارٍ عند المروة، فدخل بلال يومًا إلى الكعبة وقريش في ظاهرها (١) وهو لا يعلم، فجعل يَبصُقُ على الأصنامِ ويقول: خابَ وخَسِرَ مَن عَبَدكم من دونِ اللَّه، فطلبَتْه قُريشٌ فهرب، فدخل دار سيِّده عبد اللَّه بن جُدْعان فاختفى فيها، فجاؤوا إلى الباب، ونادَوْا عبدَ اللَّه بنَ جُدعان، فخرج إليهم فقالوا: صبوتَ؟ فقال: ألمثلي تقولون هذا؟ عليَّ نَحْرُ مئةِ ناقةٍ للّاتِ والعُزّى إن كنتُ صَبَوْتُ، قالوا: فإن أسوَدَك صنع كذا وكذا، فدخل فأخرجه إليهم وقال: شَأنُكم به، افعلوا به ما أحببتُم، فخرج به أبو جهل بن هشام وأُميَّةُ بنُ خَلَف إلى الرّمْضاءِ، وبسطاه عليها، وجعلا على عُنُقه رَحًى، وقالا: اكفُر بمحمّدٍ، وهو يقول: أحدٌ أحَدٌ.

ومرَّ بهما أبو بكر فقال: واللَّه ما تُدْرِكان بعذابه ثأرًا، فقال له أُمية: هو على دينك فاشتَره منّا، قال: نعم، قال: بعبدِك نِسطاس، وكان حدَّادًا، وخراجُه كلَّ يوم نصفُ دينار، فقال: قد فعلتُ، فأعطاهم إياه، وأخذ بلالًا (٢).

ذكْرُ جملةٍ من مناقبهِ: قال علماءُ السِّيَرِ: شهد بلالٌ مع رسولِ اللَّه بدرًا وأُحدًا والمشاهدَ كلَّها، وهو أوَّلُ من أذَّن له سَفَرًا وحضرًا، وكان خازِنَه على بيت المال.


(١) هنا ينتهي السقط في (ك) المشار إليه من قبل.
(٢) تاريخ دمشق ٣/ ٤٤٨ - ٤٤٩ (مخطوط).