وفيها عزل الحجاج يزيد بن المهلَّب عن خراسان، وولّى عليها أخاه المفضَّل بن المهلب.
قال علماء السير: كان في قلب الحجاج من يزيد، حيث أطلق بعض الأسرى من أصحاب ابن الأشعث، ثم أكّد ذلك أن الحجاج وَفد على عبد الملك، ثم عاد إلى العراق، فمرَّ في طريقه بدَيْرٍ فيه راهب؛ عالم بالكتب والعلم الأوّل، فسأله: هل تَجدون أمرَنا في كتبكم؟! قال: نعم وما هو كائن، قال: فما تقول في عبد الملك؟ قال: نجده في زماننا الذي نحن فيه، قال: ومَن يقوم بعده؟ قال: رجل يُسمّى بالوليد، قال: ثم مَن؟ قال: رجل يُدعى باسم نبيّ، يفتح الله به على الناس، قال له الحجاج: فتعلم ما أَلي؟ قال: نعم، قال: فمَن يليه بعدي؟ قال: رجل اسمُه يزيد، قال: في حياتي أم بعد مماتي؟ قال: لا أعلم، قال: أتعرف صِفته؟ قال: نعم، يَغْدِر غَدرة، قال: ثم ماذا؟ قال. لا أدري.
فوقع في نفس الحجاج أنه يزيد بن المهلَّب، فكتب إلى عبد الملك يَستعفيه من ولاية العراق، فلم يُعفه، وجلس الحجاج بعد ذلك يفكّر، فدخل عليه عبيد بن مَوْهَب وهو يَنكُت في الأرض، فقال له: ما الذي بك؟ فقال: إن أهل الكتب يذكرون أن ما تحت يدي يَليه رجل يقال له: يزيد، وإني نظرتُ في هذا الاسم فتذكَّرتُ جماعة لا يَصلحون له: يزيد بن أبي كَبْشَة، ويزيد بن حُصَين بن نُمير، ويزيد بن دينار، وليس فيهم مَن يَصلح، وما ثَمَّ غير يزيد بن المهَلّب، فقال: فأَخْلِقْ به.
فنظر فلم يَجد شيئًا يَعزِلُه به، فكتب إلى عبد الملك يذمُّ يزيد ويقول: إنه يميل إلى آل الزبير، فكتب إليه عبد الملك: إن ذلك وفاء لآل الزبير من آل المهلب، وإن وفاءهم لأولئك يَدعوهم إلى الوفاء لنا، فكتب إليه الحجاج يُخوِّفه غَدْرَ يزيد وآل المهلب، فكتب إليه عبد الملك: قد أكثرتَ في يزيد، فسَمِّ لي رجلًا يَصلح لخُراسان، فسمَّى له مُجّاعة بن سِعْر السَّعديّ، فلم يَرْضَه عبد الملك، وسَفّه رأيَ الحجاج فيه، فسمّى له قُتيبةَ بن مسلم، فقال. وَلِّه.