للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبلغ يزيد فقال لأهله: مَن تَرون الحجاج يُوَلّى خراسان؟ قالوا: رجلًا من ثقيف، قال: كلا، ولكنه يكتب إلى رجل منكم بعَهْده، فْإذا قدمتُ عليه وَلّى رجلًا من قيس، وأخلِق بقُتيبة.

وكره الحجاج أن يُواجِه يزيد بالعَزْل، فكتب إليه أن استخلِفْ أخاك المفضَّل واقدم عليّ، فاستشار يزيد حُضَين بن المنذر فقال: أقم وتعلَّل عليه، فإن عبد الملك حسنَ الرأي فيك، وإنما أُتيت من قِبلَ الحجاج، فإن أقمتَ فربما كتب إلى الحجاج بإبقائك، قال: فإنّا أهلُ بيت بورك لنا في الطاعة، وأكره المعصية والمخالفة.

وشرع في جِهازه، وأبطأ على الحجاج، فكتب إلى المفضَّل بعهده على خُراسان، فجعل المفضل يَستحثّ يزيد، ففطن فقال: يا مُفَضَّل، إن الحجاج لا يُقرُّك بعدي، وإنما وَلّاك مخافةَ أن أمتنع عليه، قال المفضَّل: بل حَسَدْتَني، فقال يزيد: يا بن بَهلة، أنا أحسدُك! ستعلم.

وسار يزيد من خراسان في ربيع الأول (١) هذه السنة، وعزل الحجاج المفضَّل، وولَّى قتيبة، فقال بن المنذر ليزيد: [من الطويل]

أمرتُك أمرًا حازمًا فعصيتني … فأصبحتَ مَسلوبَ الإمارةِ نادِما

فما أنا بالباكي عليك صبابة … وما أنا بالداعي لتَرجِعَ سالما

فلما قدم قتيبة خراسان قال لحضَين: كيف قلتَ ليزيد؟ فقال:

أمرتُك أمرًا حازمًا فعصيتني … فنَفْسَك وَلِّ اليومَ (٢) إن كنتَ لائما

فإن بلغ الحجَّاج أن قد عصيته … فإنك تلقى أمرَه مُتفاقِما

فقال: فما أمرتَه به فعصاك؟ قال: أمرتُه أن يَحمل إلى الحجاج كلَّ بيضاء وصَفْراء فخالفني. ولم يُرد هذا، وإنما مَوَّه على قُتيبة فخلَصَ منه.

وكانت ولاية يزيد من سنة اثنتين وثمانين، وعُزل سنة خمس وثمانين.


(١) في "تاريخ الطبري" ٦/ ٣٩٥: وخرج يزيد في ربيع الآخر.
(٢) كذا، والذي في "تاريخ الطبري" ٦/ ٣٩٦: فنفسك أَوْلِ اللَّوْمَ، وهو الصواب.