"الحاوي"، و"الأحكام السلطانية"، و"قوانين الوزارة"، وكتاب "الأمثال والحكم"، وكتاب "الإقناع"، وولي القضاء ببلدان كثيرة، وكان محترمًا عند الخلفاء والملوك [وقد ذكرنا قصته مع جلال الدولة، وامتناعه من الفتوى في قولهم: شاهنشاه، وأرسله القائم إلى طُغْرُلْبَك، فأعطاه ثلاثين ألف دينار، وقد ذكرناه]، وكان زاهدًا عابدًا ورعًا مَهيبًا، ما رأى أصحابُه شيئًا من بدنه قط، [وكان يقول: بسطتُ الفقه في أربعة آلاف ورقة.
وقال محمد بن الصابئ وغيره]: تُوفِّي بعِلَّة الفالج يوم الثلاثاء سلخ ربيع الأول، ودُفن بمقابر باب حرب، وقد بلغ ستًّا وثمانين سنة [وبينه وبين أبي الطيب عشرون يومًا]، وكان ثقةً صالحًا، سيِّدَ أهل زمانه.
[السنة الحادية والخمسون وأربع مئة]
فيها في يوم الخميس ثاني المُحرَّم انصرف أبو الأغر دُبيس بن صدقة عن بغداد على غضب ومنافرة، وخيَّم على صرصر، فركب البساسيريُّ إليه، فردَّه وحدَه بغير مُخيَّمه، وبلغ له بعض غرضه، وانصرف يوم الأحد رابع المُحرَّم إلى بلده غير راضٍ، وسببه أنه كان قد احتجم عن المجيء إلى بغداد لمعاونة البساسيري؛ لعلمه ما اتَّفق عليه البساسيريُّ وقريش، ووقع فتحُها، فخاف من التأخَّر، واضطُرَّ إلى المجيء، وعرف ما أُخِذ من دار الخلافة وما أخذ قريش من الأموال الجليلة والأعمال المقسومة على تأخُّره، ونقم البساسيريُّ عليه بسبب ذلك، وخاطب البساسيريُّ في أمر أبي عبد الله بن المردوسي وحاشية الخليفة، وأن يُؤمنهم على نفوسهم، ويردَّهم إلى منازلهم، فلم تقع إجابة، ونسب البساسيريُّ أبا عبد الله المردوسي أنه منع زهرة جاريته وولديها المعتقلين بالجبل من الهرب حتى التجؤوا إلى داره، وسلَّمهم إلى ابن المُسلمة، فاعتذر المردوسي وأنكر، وقال: غُلِبتُ عليهم. فلم يقبَلْ عذره، ثم طالبه دُبيس بإقطاعه من السلطان، فما ردَّه، فرحل إلى بلاده وفي نفسه ما فيها.
وفي هذا الشهر تصالح أبو منصور بن يوسف مع البساسيري بواسطة قريش، وركب البساسيري وقريش إليه، وكان قد ضمن على نفسه مالًا يحمله إليهما.